تحاول دول الغرب، تحركها الآلة الإعلامية الصهيونية، أن تغرس في شعوبها وشعوب العالم بأن الإسلام دين متطرف لا يصلح أبدا أن يكون نظاما للحكم، والمصيبة أن منا نحن المسلمين من تبنى ذلك قولا وفعلا، وبدأ يحارب بكل ما لديه من أسلحة لإقصاء الإسلاميين والحيلولة دون مشاركتهم في الحياة السياسية حتى ولو بشكل رمزي. لو قرأ هؤلاء الناس التاريخ الإسلامي جيدا، وتجردوا من مشاعر الكراهية تجاه الإسلام والإسلاميين، لوجدوا أن النظام الإسلامي كان على مدى التاريخ مثلا يُحتذى ونموذجا فريدا في العدالة والمساواة والتسامح واحترام حقوق الإنسان أيا كان دينه أو لونه أو عرقه أو منبته. كانت هذه المبادئ وغيرها من المبادئ الإنسانية، التي تنادي بها اليوم الهيئات الدولية لحقوق الإنسان، الركائز الأساسية التي قامت عليها الدولة الإسلامية في عصورها الذهبية، وبخاصة في عهد الخلفاء الراشدين الأربعة ومن بعدهم خلافة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، الخليفة العادل الذي لم يجدوا في عهده فقيرا واحدا يستحق الزكاة، ولم يكن في سجنه حتى ولو رجل واحد.
الإسلام لا يرتبط إطلاقا بفرد أو مجموعة قرأت الدين الإسلامي بشكل خاطئ فارتكبت أعمالا أضرت بسمعة الإسلام والمسلمين في جميع أنحاء العالم، ساعدهم في ذلك الحقد التاريخي الذي تحمله الدول الغربية على العالم الإسلامي، فانتهزت هذه الفرصة واتخذت من هذه الأعمال الطائشة ذريعة للهجوم على كل ما هو إسلامي في محاولة منها للحيلولة دون وصول الإسلاميين إلى الحكم حتى ولو كان ذلك من خلال صناديق الانتخاب، ولنا في الحالة الجزائرية والفلسطينية شاهد ودليل.
العودة إلى المبادئ الإسلامية السمحة مطلب شعبي تجسد في فوز الأحزاب الإسلامية في أكثر من قطر عربي، فها هو حزب النهضة يفوز في الانتخابات التونسية ويستعد لتشكيل الحكومة بالتشارك مع أحزاب أخرى، والأخوان المسلمون في مصر مرشحون للفوز في الانتخابات المصرية، ولو أجريت الانتخابات في أكثر من بلد عربي لفازت الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، ذلك لأن الشعب العربي، ولا نقول الشعوب العربية، بطبيعته وفطرته ملتزم بالمبادئ الإسلامية ورافض لكل الأفكار التي تتعارض مع عقيدته الدينية، لكنه في ذات الوقت منفتح على العالم، وقادر على استيعاب كل الأفكار البناءة التي تنسجم مع تقاليده وثقافته، وهذا حقه لا ينازعه فيه أحد.
لقد أثارت تصريحات حماد الجبالي، أمين عام حزب النهضة الإسلامي في تونس، جدلا واسعا في الصحف التونسية التي شنت هجوما شرسا على الرجل لمجرد ذكره عبارة "خلافة راشدة" في معرض حديثه عن مستقبل تونس. من المؤكد أن حماد الجبالي لن يلبس العمامة والرداء الإسلامي التقليدي، ولن يعود بتونس إلى الوراء، وإنما يريد أن تسود العدالة والتسامح والقيم العربية والإسلامية النبيلة التي تميّزت بها الدولة الإسلامية في عصور الخلافة الراشدة، والتي كنا وما زلنا نعتز بها ونفاخر بها العالم باعتبارها قيم ومبادئ سامية تناضل الشعوب في جميع أنحاء العالم من أجل تحقيقها والمحافظة على ديمومتها. لقد أكد الجبالي، المرشح لمنصب رئيس الوزراء، تمسك حزبه بخيار النظام الجمهوري الديمقراطي الذي يستمد شرعيته من الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وبناء مجتمع ديمقراطي تعددي ومدني، وهذا النظام، أيا كان اسمه، هو ما سعى إلى تحقيقه الشعب التونسي وغيره من الشعوب التي عانت طويلا من أنظمة شمولية مستبدة وظالمة.