أدت ظاهرة تغيير الحكومات التي ينفرد بها الأردن إلى ضعف قدرة الدولة على توجيه قدراتها وطاقاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية نحو التنمية وبروز مشاكل ارتبطت بالاستقرار الداخلي وانعدام الثقة الشعبية بالدولة بسبب تسجيل البلاد أرقاما خيالية من قضايا الفساد تزامنت مع مقولة إن مكافحة الفساد هي الهواية المفضلة لنظام الحكم ،وكان الحديث عن مكافحة الفساد مجرد كلام ، بل إن القضية الوحيدة التي صدر بها حكم قضائي قد شابها الفساد وكانت عرضة للتلاعب وخولفت خلالها مبادئ العدالة التي تعتبر أساس الحكم ولم تنفذ الحكومة قرار الإدانة بالتساوي بين شركاء القضية ،وكانت المسألة بحد ذاتها فساد. وفي ردود الفعل الوطنية لوقف حالة التردي وصفت الدولة المطالبين بالإصلاح بقوى الشد العكسي وشاع أسلوب الاعتداء على الرموز الإصلاحية من قبل البلاطجة وسجلت كل الحالات ضد مجهول الأمر الذي أثار حفيظة عشائر تلك الرموز واستعدادها لحماية أبنائها وتحميل الدولة مسؤولية فتنة مرتقبة بين العشائر الأردنية .
لم يؤثر الربيع العربي بطريقة اختيار الوزراء والطارئ الوحيد الذي ظهر إلى حيز الوجود هو أن المناطق والعشائر المشاغبة قد حظيت بنصيب الأسد من الحقائب الوزارية ومجلس الأعيان واستثني الصامتون وحرمت مناطق الهدوء وعادت وجوه التوريث الوزاري من جديد ولم تخضع عملية التغيير كالعادة لقواعد موضوعية وتتم لأسباب غير مفهومة تبعا لتقلبات المزاج ، وكل ما يقال عنها أنها تجري تلبية لمتطلبات مرحلة جديدة من تاريخ البلاد وعمر المرحلة الواحدة لا يتجاوز بضعة أشهر في كثير من الأحيان لتنتهي وتبدءا عملية الدخول بمرحلة جديدة ،لكن النتيجة واحدة وهي المزيد من الفقر والبطالة ،وانتشار الجريمة وتراجع الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتي تمهد لفقدان الطاعة الشعبية .
تتعثر المشاريع الحيوية وتتوقف سواء في أسباب اتخاذ قراراتها ومحلها أو في غاياتها وأهدافها نتيجة الغلو بتغيير الوزراء ، وأحوال الجهاز الإداري لا تستقر على حال ،وهو الأكثر تأثرا بالأزمة الكلية التي تعم البلاد ويمر بأسوأ مراحله نتيجة للانقلابات الإدارية التي يجريها وزراء مؤقتون يمرون على الوزارة مرور السحاب فاختلت شؤون الإدارة واهتزت قواعد التخطيط والتنظيم والرقابة وفشلت بسبب ذلك المشاريع الإستراتيجية الكبرى التي زادت أوضاع المواطنين المعيشية سوأ .
لن يغادر المجتمع دائرة الفقر فالمديونية إلى ارتفاع رغم المساعدات الخارجية. ورئيس الوزراء عون الخصاونة برأ نفسه سلفا من مسؤولية تزايد رقعة الفقر والبطالة التي تنتظر الأردنيين وقال انه ليس خبيرا اقتصاديا وكان علية معرفة أن جل المشكلة الأردنية اقتصادية وهي عنوان المسيرات والاعتصامات وشعار الاحتجاجات الأبرز، ويبدو أن صناع القرارات العليا لا زالت تنقصهم المعلومات الصادقة عن حقيقة تعقد وتشابك الأوضاع السائدة والغفلة عن التهديدات المفاجأة ونفاذ الوقت وقرب وصول الصدمة المنتظرة .
كأن شيئا لم يكن ،فلم يقتنع الأردنيون بالادعاءات الرسمية المستنسخة عما قبلها للإعلان عن بدء الإصلاح المزعوم والتي طالما سمعوا مثلها الكثير وتواصل تصاعد المسيرات والاحتجاجات فيما حذر المراقبون الحكومة من مغبة الاستمرار بأوهام شراء المواقف وتكرار التوزيع السري للمال على النواب وبعض الزعامات القبلية وكتاب الصحف للتأثير على الرأي العام وتمويل إقامة المهرجانات الخطابية لسب وشتم المعارضين والمطالبين بالإصلاح وكيل ألتهم لهم .
Fayz.shbikat@yahoo.com