ترك الدبلوماسي الفاتیكاني–ولبناني الأصل–المطران أدمون فرحات كتبًا قیّمة قبیل رحیلھ عام 2016 ،وتعنى بتاریخ
العلاقات العربیّة الفاتیكانیّة، ومن أھمھا على الإطلاق «القدس في الوثائق الفاتیكانیّة»، من عام 1887 أیام البابا لیون
الثالث عشر، إلى عام 1991 في عھد البابا یوحنا بولس الثاني. وقد قدّم له الرئیس اللبناني الأسبق شارل الحلو، وقال:
ً إن كتاب السفیر المطران فرحات لیس فقط تأریخا لحقبة من الزمن بل ھو سجل للقیم والمبادئ، لا بد للجمیع من
.الرجوع إلیھا والاستنارة بھدیھا
ا
ّ .
أما المؤلف فیقول: إن القدس المجزأة والمتنازع علیھا الیوم، إنما ھي مدعاة شك وحجر عثرة، ولكنھا ستعود غدًا وفقً
ً ا للسلام ومدینة للجمیع بل محور ا مقدس ّ ا للتاریخ والحیاة». وإن المطران فرحات، رحمه الله،
لطبیعتھا ورسالتھا، مھدً
ّ حین قرر جمع الوثائق البابویّة المتعلقة بمدینة القدس في ھذا الكتاب القیّم والكثیر الفائدة، إنما سعى بالدرجة الأولى إلى
ً إظھار موقف الفاتیكان إزاء المدینة المقدسة، ابتداء من عام 1887 وحتى تاریخ التألیف. ومن المعروف أنه في فترة
الدراسة الطویلة، تغیّ ً رت أحوال القدس كثیرا، من عھد الامبراطوریة العثمانیّة إلى عھد الانتداب البریطاني على
ً فلسطین، مرورا بمطالب الحركة الصھیونیّة وإعلان بلفور 1917 ،ثم بمختلف الأحداث الإقلیمیّة والدولیّة التي أدّت
إلى تقسیم فلسطین وقیام إسرائیل وطرح قضیة القدس. ونعرف طبعًا الأحداث التي جرت بعد تألیف الكتاب 1991،
ّ وسوف نستعرضھا بمقالات أخرى إن شاء الله، وأھمھا إغلاق مدینة القدس على المواطنین الفلسطینیین بعد ذلك العام وحرب الخلیج
ُ .
وبعد، فقد عدت إلى الكتاب في مكتبي وقد كان مرجعًا أساسیًا لرسالة الدكتوراه حول القیم المشتركة بین الأردن
والفاتیكان (أو الكرسي الرسولي)، بعدما قرأنا في أخبار الفاتیكان الرسمیة عن استدعاء رئیس وزراء الفاتیكان
الكاردینال بییترو بارولین سفیري الولایات المتحدة واسرائیل للتعبیر عن مخاوف الكرسي الرسولي بشأن تحركات
إسرائیل للضم ولبسط سیادتھا على أجزاء من الضفة الغربیة المحتلة، لأنھا قرارات أحادیة الجانب قد تھدّد السعي نحو
السلام والوضع الحالي في الشرق. كما أكد الكرسي الرسولي على الموقف الداعم لحل الدولتین قائلاً: إن «إسرائیل
ودولة فلسطین لھما الحق في الوجود والعیش بسلام وأمن، وفق حدود معترف بھا دولیًا» وناشد الفاتیكان الإسرائیلیین والفلسطینیین بذل كل جھد ممكن لاستئناف المفاوضات المباشرة على أساس القرارات الصادرة من الأمم المتحدة
ّ .
ان ھذا الموقف الفاتیكاني لیس جدیدا، فقد كان دائما داعما تاریخیا لحق الشعب الفلسطیني بدولة مستقلة على التراب
الوطني. أما موضوع القدس، ففي زیارة جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الفاتیكان، في 19 كانون أول 2017 ،ومقابلة قداسة البابا فرنسیس، حول موضوع القدس، أكد قداسة البابا أن القدس ھي مدینة فریدة ومقدّسة لأتباع الدیانات الثلاث .
ودعا قداسته، خلال اللقاء، إلى احترام الوضع القائم في القدس، تماشیًا مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبما
یسھم في تجنب المزید من العنف والتوتر كما أشار قداسة البابا فرنسیس إلى دور جلالة الملك عبدالله الثاني المحوري
.في حمایة المقدسات في القدس، مشیدًا بالتزام الأردن بتحقیق السلام والاستقرار في المنطقة والعال