ست حلقات متداخلة تتكون منها المنظومة الاقتصادية التي يفترض أن تسعى الحكومة إلى تحريكها في الاتجاهات التي تخدم الجهود الوطنية الرامية إلى تحريك عجلة الاقتصاد ، بعد أن دفعتنا أزمة جائحة الكورونا إلى استخلاص الكثير من العبر والدروس المستفادة ، وحولت مسار التفكير المعتاد في برامج الإصلاح المرتبطة بمعالجة الأزمة الاقتصادية ليكون أكثر اقترابا من العناصر المتاحة للاعتماد على الذات .
الاعتماد على الذات مبدأ فقد الكثير من معانيه نتيجة الفهم أو التطبيق الخاطئ للعولمة ، والتهاون في توظيف الميزة التنافسية ، والقيمة المضافة ، وغيرها من القدرات التي تراجعت أمام سهولة الاقتراض ، والاستيراد غير المنظم ، في غياب تطبيق واقعي لأصول التبادل التجاري ، وغير ذلك كثير من العوامل التي أربكت الانتاج المحلي !
تتشكل منظومة اقتصادنا الوطني من الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والتعليم والبنوك ، وفي يقيني أن حصيلة المراجعات التي تمت من جانب القطاعين العام والخاص لأثر أزمة الكورونا على الاقتصاد الوطني ، والحلول المقترحة لمواجهاتها والتأسيس لمرحلة جديدة تأخذ في الاعتبار حالة الانهيار التي أصابت قطاعات حيوية من الاقتصاد العالمي والإقليمي خلصت إلى خارطة طريق لكل حلقة تفضي أو تتشابك مع بقية الحلقات.
والقصد من تعبير الحلقات بدل القطاعات هو من أجل التأكيد على عملية التشابك أو التشبيك بينها لتصب في اتجاه واحد ، فما نحتاجه للنهوض بالقطاع الزراعي يكمن في دعم وتشجيع الزراعة ذات الجدوى الاقتصادية التي تتناسب مع طبيعة الأرض والمناخ ، وتزويد المزارعين بالمعدات الحديثة ، وتطبيق الأدوات التكنولوجية الحديثة للتحكم في عمليات النمو والإنتاج النباتي والحيواني واستصلاح الأراضي الزراعية.
أما بالنسبة للصناعة ، فكل ما نحتاجة كأولوية عاجلة يرتبط بتشجيع ودعم الصناعات القائمة على المنتجات الإردنية النمطية ، والصناعات المعتمدة على الموارد الطبيعية مثل البوتاس والفوسفات التي تنتج منها الأسمدة بين صناعات أخرى عديدة ، ولا بد من إعطاء الأولية للصناعات ذات القيمة المضافة العاليه.
هكذا تفضي حلقتا الزراعة والصناعة إلى حلقة التجارة التي تحتاج إلى توفير الدعم وتحفيز رجال الأعمال والتجار كي يعملوا على تسويق المنتجات الزراعية والصناعية الأردنية في الأسواق المحلية والإقليمية والدولية ، وأن يكونوا على دراية كافية باتفاقيات التبادل التجاري ، وتجنب الإزدواج الضريبي ، ومتابعة برتكولات التعاون الموقعة بين الأردن والدول العربية والأجنبية ، والاستفادة منها.
وتظل السياحة الحلقة المهمة التي نعول عليها كثيرا ، والتي تحتاج بنيتها ومرافقها ومواقعها إلى دعم مدروس وممنهج ، وتحتاج إلى تطوير المنتجات التي يشتريها السواح ، واستخدام المكاتب السياحية للترويج لتلك الصناعات وغيرها ، وتقديم الحوافز المناسبة للمطاعم والفنادق والشركات السياحية التي تستخدم المنتج الأردني وتروج له .
أما الجامعات فغاية ما تحتاجه عاجلا يتعلق بدعم التخصصات في المعاهد والكليات نحو توفير الخبرات والكوادر الأردنية المؤهلة للتعامل مع متطلبات التنمية الشاملة ، والاهتمام بدعم مراكز التدريب المهني والتقني وتطوير أدائها ومخرجاتها.
الحلقة السادسة هي البنوك ، فقد حان الوقت لكي يتم منح الأفضلية والتميز للبنك الذي يهتم بتمويل المشاريع الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية والتعليمية ، وكل المشروعات المرتبطة بالتنمية المستدامة ، ومنحها ما تستحقه من الإعفاءات الضريبية.
بقيت هناك حلقة سابعة لا يمكن للحلقات الست المشار إليها أن تنجح من دونها ، ألا وهي الحوكمة بأبعداها المعروفة : التشاركية والشفافية والمساءلة ، وتلك الحلقة سأتحدث عنها في مقال لاحق .