تصلها مقالاتي في بلدها البعيد عن الأردن زمنياً ومكانياً والقريب قلبياً، تقرأها الزميلة الإعلامية هيفاء فتخاطبني عبر وسائل التواصل الإجتماعي برسالتها تحمل دوماً ذات السؤال :”حابه أطمن عليك أستاذ”، فيكون ردي "الحمد لله كل شيء بخير وفضل من الله”، تعود لتسأل ما حد هددك ما تتعرض للتهديد بسبب اللي تكتبه”، استغربت هذا السؤال وكتبت لها: "ما حد بحكي واذا انا غلطان في قضاء ومحاكم”، شعرت بالحزن في كلماتها وهي تكتب "يعني ما بحكولك سياسة الدوله وانو وقف وهيك إشي، لأنه عنا الوضع مختلف وأي صحفي يكتب عن أي شي يكونوا له بالمرصاد”، كتبت لها "ما الهم دخل هذا رأيي أنا وليس رأي الدولة وانا حر، لكن اذا أساءت لأحد من الشعب أو اتهمت شخص دون دليل فيقوم برفع قضية في المحاكم”، عادت لكتابة الألم حيت ردت علي "ياريت بنقدر نحكي بحرية احنا كمان عن وضع بلدنا، لأنه في بلدي إللي بيكتب يصله تهديد ولا يتوقف الأمر عند ذلك فيتم إغتيال البعض وفصل آخرين من عملهم "، واصلت الحوار وقلت لها ” اذا حد يهددني سأقدم به شكوى في المحكمة”، شعرت بأنها تبكي حزناً على وطنها ومستقبل أبنائه، لأنه حين تفقد حقك في التعبير تفقد إتصالك بالحياة.
هذا الحوار جعلني أنظر إلى نصف الكأس الممتليء في وطني حيث حرية التعبير مصانة بالدستور، وتكتب ما تريد لكن دون التعرض بالإساءة للآخرين دون دليل قطعي، وهذا هو الصواب فلا يجوز أن أقول بأن فلان بن فلان فاسد ولص وسارق دون دليل لأنني أكون قد امتهنت كرامته واتهمته زوراً وبهتانا، فيما ننتقد إجراءات الحكومات والمؤسسات لأن الحكم عليها يكون من خلال النتائج النهائية والتي يجب أن تنعكس على حالة المواطن ورفاهيته في المرحلة النهائية، وهنا يكون النقد مبنياً على مصلحة الوطن والخوف على مصالحة، وهذا حق للسلطة الرابعة الرقابية التي تقوم بالتثقيف والتوجيه للإصلاح، وهذا هو صلب عمل الإعلام ومن يرفضه من المسؤولين فعليه الجلوس في بيته وعندها لن يذكره أو يتذكره أحد، وهذه كلمات قلتها لعدد من المسؤولين حين غضبوا مما أكتب، فمن يعمل في مجال العمل العام عليه أن يتقبل النقد أو يرحل.
هذا هو الأردن الذي نعتز به وبسياسته، فلم نسمع عن تهديدات لإعلاميين من قبل الفاسدين، ولم يختفي إعلامي أو صاحب رأي في غياهب السجون، ولم ينتحر معارض بعدة طلقات في الرأس كحال المعارضين في بعض الدول العربية، نعم هذا هو الأردن حيث تعبر عن رأيك بصراحة وبحرية تامة ضمن شروط عدم إنتهاك حريات الآخرين وإمتلاك الأدلة، فيما نحصل على حرية كبيرة في التحليل والتوقعات المبنية على ما نملك من معلومات.
حواري مع هيفاء جعلني أشعر حجم النعيم والحريات التي نملكها لأقول الحمد لله بأنني أستطيع أن أعبر عما يجول في خاطري ، لأن الموت ليس بخروج الروح من الجسد بل هو أيضا بعدم القدرة على إيصال الرسائل والفكر للآخرين، وهذا موت أصعب حيث تشعر أنك محاصر في ذاتك فتموت مرتين حزناً على عدم قدرتك على نشر رؤيتك وأخرى بجلطة لأن القلب والفكر لا يحتملان بقاء هذه الأفكار محشورة في العقل، لذا فإنها تفجر في الرأس وإن خرجت في بعض الدول سيتفجر الرأس أيضاً لكن بطلقة الموت، لذا أقولها بكل فخر الحمد لله على نعمة الأردن.