مضى يوم الفاتح من تموز.. كموعد حدده المُستعمرون اليهود والأميركيون، للبدء بعملية الاستيلاء المُسلح على 30% من أراضي الضفة الغربية المحتلة التي لا تُشكل (مع قطاع غزة) سوى 22% من مساحة فلسطين التاريخية، ولم يُباشر العدو الصهيوني تنفيذ مخطط الضم وسط تسريبات وإشاعات تتحدّث عن «رفض» أميركي لهذه الخطوة، ما لم تتزامن مع قبول نتانياهو «تأجيل» مُبرمج، ليس لأن واشنطن تراجعت عن «صفقة القرن»، بل لأن ترامب يريد منه مساعدته في تجاوز الصعوبات «الانتخابية» التي يواجهها بعد تراجع شعبيته، على ضوء فشله في معالجة جائحة كورونا وانتفاض الشارع الأميركي ضد التمييز العنصري المُمارس ضد الأميركيين الأفارقة، وخصوصا سقوط الهيبة الأميركية خارجياً بعد أن بدأ العالم بـ«التململ» من الأنانية الأميركية، التي باتت تَستخدم العقوبات سلاحا ضد كل من لا يتفق مع سياساتها بمن فيهم أقرب الحلفاء إليها.
وما يجري الآن في مجلس الأمن من كباش وتجاذبات حول إصرار إدارة ترامب تجديد حظر بيع السلاح لإيران، يكشف ضمن أمور اخرى مدى الحال الصعبة نسبيا التي وصلتها واشنطن في علاقاتها الدولية.
لم تكن عبارة رئيس حزب "أزرق أبيض" غانتس «أن الشمس ستُشرق من الشرق وتغرب من الغرب» في أول تموز (أي أن الضم لن يحدث في ذلك الموعد)، هي التي دفعت نتانياهو إلى تأجيل الضم، بل هو الخِلاف «الشكلي» مع الأميركيين، والذي لا يستطيع نتانياهو الخروج عليه، لإدراكه أن مستقبله السياسي بل الشخصي مرهون بالموقف الأميركي منه، فيما هو لا يقيم وزنا لشريكه في الإئتلاف غانتس، وهو صرح بذلك علانية ولم يُخفِ مساعيه للتنصل من اتفاقية التناوب مع غانتس في تشرين الثاني 2021 واستعداده فرط الحكومة والذهاب إلى انتخابات رابعة، إذا ما استرضى قطعان المستوطنين الذين ازدادوا «رفضاً» لخطة الضم كونها تشترط (أميركياَ وفق الشائعات) قيام دولة فلسطينية (بصرف النظر عن المفهوم الأميركي والصهيوني الليكودي لهذه الدولة المسخ، مُقطّعة الأوصال منزوعة السلاح والسيادة فاقدة الأمن أو السيطرة على الأجواء والحدود والمياه، وخصوصا بلا «قدس» شرقية أوغربية.
هي إذاً مسألة وقت ليس إلا، تأجيل فسّره نتانياهو على النحو التالي «الأول من تموز هو موعد بداية اتخاذ (إجرءات) الضمّ، وليس بالضرورة موعد (تنفيذ) الضم. لعِب على الكلمات وتلاعب بالمصطلحات، بانتظار وفاء إدارة ترمب بوعودها له، مقابل قبوله «تأجيل» بدء الضم، هادفة (إدارة ترمب) تشديد الضغوط على الجانب الفلسطيني للعودة إلى طاولة المفاوضات. مفاوضات تكون قاعدتها ومنطلقاتها «صفقة القرن» وليس أي «شيء» آخر.
خطة الضم لم تسقُط ولا يبدو أن المُستعمِرين في واشنطن وتل أبيب يفكرون بغير تطبيقه أو إلغائه، لكن الظروف غير مواتية وسيُضاعفون جهودهم وضغوطهم، من أجل توفير ظروف ملائمة. وهم لن يعدموا أي وسيلة لقلب الأمور سريعا لصالحهم، حتى لو لجأوا لافتعال حرب خاطفة، تبدو مناخاتها مُلائِمة لهم، وخصوصا التحرّش بلبنان واستدراجه لِمواجهة يُعدِّون لها منذ زمن.