هؤلاء هم الفاسدون الذي نشعر بأن أنفاسهم تخنقنا ورائحتهم العفنة تضايقنا، ونغلق آذاننا حتى لا نسمع كلامهم خوفاً من أن يلوثوا أفكارنا، ونُغلق أعيننا حتى لا نسيء إلى نظرنا برؤيتهم، ورغم ذلك نجدهم على جميع القنوات الفضائية يُنظرون علينا ويدعوننا إلى التمسك بالأخلاق، ونشاهدهم يتقدمون الصفوف في المناسبات الوطنية والإجتماعية نافثين سمومهم بإدعائهم الفضيلة والشرف، وللحق والعدل والإنصاف فانهم أفضل من يتحدث في هذا المجال، كونهم خبراء في السرقة والنهب ويعرفون جميع الطرق التي تجعلهم بعيدين عن المحاسبة، ليكونوا الأفضل في شرح طرق الفساد والرشوة والمحسوبية، وطبعاً هذا الحديث لا نسمعه منهم إلا بعد أن يكونوا قد نهبوا وغادروا مناصبهم وشعروا بأن أموالهم في الملاذات الآمنة في أمان.
والغريب العجيب أن الفاسدين لا يلدون إلا فاسداً كذاباً، فيتسلقون سلالم الوطن بخفة ومهارة صوب المناصب التي تجعلهم فوق المُسائلة والقانون، وكأن هؤلاء يولدون فاسدون، لذا فهم ومنذ اليوم الأول ومنذ نعومة أظافرهم يعرفون مستقبلهم وعملهم، فقد تغذوا بالحرام وترابوا بالحرام وسهروا ودرسوا وتخرجوا وتعينوا بالحرام وتزاوجوا وتناكحوا بأموال الحرام، فهل يُعقل أن يخرج منهم مصلح إجتماعي يعمل على إنقاذ الوطن؟، قطعاً لا كون الفساد في دمائهم كالكريات الحمراء فدونه يموتون، لذا فهم فاسدون منذ النطفة الأولى.
إن ما يميز الفاسدين هو التاريخ المشترك والمستقبل المضمون، حيث يولودون فاسدين وينشأون في بطون أمهاتهم فاسدين، لذا نجدهم يتشابهون بصفة الرحم مع قصة الملك الساساني شابور الثاني الذي تم تتويجه ملكاً وهو في أحشاء أمه، حيث تم وضع التاج على بطن امه، وهنا نتساءل ماذا يضع الفاسدون الكبار على بطون زوجاتهم وهن يحملن بالفاسد الصغير، فشابور تم تربيته على القتال بالسيف والعلم حتى قاد الإمبراطورية الساسانية لإستعادة جزء كبير من أراضيها المسلوبة وهو في ريعان الشباب، لنسرح بخيالنا باحثين عن نوعية القيم والمباديء التي يتم تربية أبناء الفاسدين عليها وعن الطموح الذي يحلمون به.!!!
إن الفساد لا يدخل في دولة إلا حرفها عن مسارها وألحق بها الاضرار العديدة حتى لا تغدوا قادرة على إحتمالها، والفساد لدينا موجود وليس مفقود ونشعر به في شتى أمور حياتنا، ورغم ذلك لا نجد فاسدين يحاكمون وكأنهم فوق القانون لذا لا يهتز لهم جفن ولا ينشغل لهم بال، وفي ذات الوقت نجد حكومات تُرعدُ وتُزبد وتنادي بمحاربة الفساد، وتسعى جاهدة للبحث عن ظلال الاشباح لمحاكمتهم حسب قانون سكسونيا، فيما الفاسدون الحقيقيون يقفون إلى جوار المنادي ويصرخون مطالبين بمعاقبة الفاسدين الذين يسرقون من أجل لقمة العيش بعد أن أدارت لهم الدنيا ظهرها ونهب الفاسدون أرزاقهم، فيما كبار الفساد لا يحاكمون لأن قانون سكسونيا يوفر لهم الحماية والوقاية، لذا قد أجد نفسي أُحاكم حسب القانون وأودع في السجن لأنني إقتربت من منطقة محرمة كتبت عليها الحكومة "ممنوع الإقتراب أو التصوير”، ولن نتخلص من الفساد إلا بطوفان شبيه بطوفان سيدنا نوح يأخذ جميع الأشرار الفاسدين والصامتين عن لصوص الأمة، لندعوا مع نبي الله نوح كما جاء في الذكر الحكيم "وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا” صدق الله العظيم.
————–
شابور الثاني: ملك ساساني هو الوحيد في العالم الذي تم تتويجه ملكاً وهو في أحشاء أمه.
الملاذات الآمنة: دول تمنح الحسابات المصرفية سرية عالية وتمنع مراقبتها .
قانون سكسكونيا: قانون يحاكم الغني القاتل بقطع رقبة ظل