صالح الراشد
كشلالات "بيج زيجالان" الروسية وشلالات "نياغارا" الأمريكية الكندية، ينزف الدم العربي في عديد الدول في ظل تراجع دور حكماء أمة العرب، حيث أصبحوا غير قادرين على إيقاف فوضى المجازر التي يذهب ضحيتها أبناء الأمة، ويسبقهم ويلحق بهم ضياع لثروات العرب التي تسيطر عليها العصابات المسلحة من "بلاك ووتر" الأمريكية إلى "فاغنر" الروسية اللتين توفران المرتزقة من شتى بقاع الأرض، ليحاربوا نيابة عن بعض الأنظمة العربية والقيادات الصورية الذين يتنمرون على بقية الشعوب العربية بفضل المال الوفير الذي لديهم، وهذه الدماء المهدورة لا يستفيد منها إلا الكيان الصهيوني المُتسبب في عديد المواجهات العسكرية والراغب بعدم توقفها، لذا فإن شلال الدماء العربية لم ولن يتوقف ما دام الكيان الصهيوني قائم على أرض فلسطين وما دامت العديد من الأنظمة العربية المرتجفة تحبو على ركبتيها صوب تل الربيع المحتلة للحصول على بركات القلنسوة اليهودية.
لقد تراجعت منظومة العمل العربي بطريقة غير مسبوقة لم يسجل التاريخ بسوأتها، فعندما احتل التتار بغداد كان قطز والظاهر بيبرس جاهزين لهزيمتهم في معركة عين جالوت وتحرير الوطن العربي، أما اليوم فلا يوجد قطز ولا بيبرس بل يوجد عديد القادة المتعاركين الباحثين عن التمترس فوق مقاعدهم أو الجلوس أو البقاء على سدة الحكم، وأصبحت لغة التنمر والتهديد هي السائدة فضاعت الوحدة العربية وتحولت إلى سراب يحسبه العطشان ماء، مما سمح للقوى الإقليمية والعالمية بالتدخل في عديد الدول العربية، فهنا قواعد أمريكية وهناك قواعد بريطانيا وفي دول أخرى نجد القواعد الروسية والتركية وفي غيرها تعبث وتتصدر المشهد اليد الإيرانية، وفي غالبيتها يتواجد الخبراء الصهاينة للقيام بدور كبير سواءاً في الحرب التقليدية أو السبرانية، وبالتالي لم تستفيد أمتنا من نصائح "ميكافيلي" بعدم الإستعانة بالمرتزقة، لتصبح هذه الدول رهينة للمرتزقة.
لقد سفكت منظمات الإجرام الامريكية والروسية الدم العربي بجميع الطرق، ولم نجد له حامياً بعد أن تراجع دور الدول العربية الكبرى، فأصبحنا اليوم لا نميز بين دولة ذات تاريخ وهيبة وبين دول بلا أدنى تاريخ أو قوة، حيث تستند هذه الأخيرة على منظمات القتل المُنظم المدعومة بمنظمة "أوتبور" الصربية التي لا تقل عنهم حرفية في صناعة الموت، فتم تدمير القوى العربية المؤثرة وارتعبت الدول العربية الكبرى الأخرى، وتنازلت مرغمة عن دورها وتحولت إلى فزاعات لا تُرهب حتى الطير، فيما الجامعة العربية التي كنا نعول عليها أن تقود الأمة صوب الإتفاق قامت بدور عكسي، فأصبحت مصدر للفرقة العربية وطريق جديد لصناعة الموت، بعد أن اصبح الهدف الرئيسي لكل دولة عربية صناعة نفسها وصيانة أمنها دون الإهتمام بالآخرين فضعف الجميع وضاعت الهيبة العربية.
واليوم، وفي ظل ما يجري في سوريا والعراق والسعودية واليمن وليبيا، نترحم على أرواح الخبراء العقلانيين من قادة الأمة الذين انتقل بعضهم للقاء ربه، وكانوا قادرين على حل الخلافات العربية العربية دون إراقة نقطة دم واحدة، لنشعر بأننا كأمة عربية جمعاء بتنا أيتام، وأصبحنا بحاجة ماسة إلى حكمة وحنكة المرحوم بإذن الله الملك الحسين بن طلال والملك فهد بن عبد العزيز والرئيس المصري محمد حسني مبارك والشيخ زايد آل نهيان، لتزداد معاناة الأمة لنجد أننا اليوم بحاجة إلى لجنة حكماء من خارج جامعة الدول العربية الخربة، والتي نخرتها الخلافات والمصالح لتتحول إلى عبء جديد على الأمة، فيما الوطن العربي يعج بالعديد من الشخصيات القادرة على وضع الحلول ورسم طريق النجاة لشعوب الأمة من مقاصل "ووتر" و"فاغنر" و"أوتبور".
———————
بلاك ووتر : منظمة للعمليات الخاصة أنشأها الأميركي اريك برنس.
فاغنر: منظمة عسكرية روسية شبة رسمية ويعتبرها البعض يد وزارة الدفاع الروسية.
أوتبور: منظمة صربية تستخدم الكفاح غير العنيف لتحقيق مطالبها.
ميكافيلي: فيلسوف إيطالي