هل فاجأت «الواشنطن بوست» الصحيفة الاشهر في اميركا، الكثيرين وخاصة النخب السياسية والاقتصادية والمفكرين المختصين والمتابعين للشأن الاميركي.. وهي تعلن ان الحريق الكبيرالذي يضرب اميركا في صور مظاهرات مليونية، من أقصى الجنوب الى اقصى الشمال.. ومن شواطىء الاطلسي الى شواطىء الهادي ما هو الا تأكيد للحقيقة الكبرى التي طالما حاول السياسيون اخفاءها، والتمويه عليها.. حقيقة انهيار الحلم الاميركي، وبداية العد التنازلي لانهيار الامبراطورية الاميركية.
لقد حاول الاباء المؤسسون، والرواد الاوائل، ومنذ الاستقلال والى اليوم، امثال ابراهام لنكولن.. جيفرسون.. روزفلت.. ايزنهاور.. كينيدي..جاولوا التصدي لفيروس العنصرية والتمييز العنصرى الخطير، المتمثل باضطهاد السود.. قبل ان ينخر الشجرة الاميركية الباسقة ويحيلها الى مجرد حطام..!!
ولكن –وعلى ما يبدو- فشلوا، كما تؤكد الاحداث الخطيرة، ومظاهرات الغضب المليونية التي تجمع كافة الاميركيين، من كافة الالوان. وامتدت شررها الى كافة انحاء العالم.. فلقد بات واضحا ان الداء استعصى على امهر الاطباء، وابرع النطاسين، وها هو رأس السلطة «ترامب» يغرق حتى «شوشة» راسه في ممارسة العنصرية، والتحريض على المهاجرين، ويطلب الاستعانة بالجيش،وقوات الحرس الوطني، لفض المظاهرات بالقوة، وارهاب المتظاهرين، ما يشكل خرقا فاضحا للدستورالاميركي، ولمبادىء حقوق الانسان، التي شرعها الرئيس « جيفرسون» واقرتها الامم المتحدة، ولكل الاعراف والتقاليد الاميركية التي جعلت من اميركا مطمحا، وأملا لكل المظلومين والمضطهدين، ولكل الباحثين عن الفرص... فتقاطر الى القارة البكر ملايين الناس، من كل الاجناس.. من أقصى الشرق.. الى غابات افريقيا.. ومن بلاد الضباب والشرق الحزين، لينشئوا ارقى الجامعات..» هارفرد، كولومبيا، ستانفورد،كاليفورنيا، شيكاغو، هوكن..الخ، واقاموا أكبر وأرقى المصانع، واعظم الاختراعات، واصبح اميركا قلعة التقدم والرقي، وقلعة الحرية، واحترام حقوق الانسان، وقلعة الديمقراطية والتعددية.. بازهي واروع صورها، وقد اخذت على عاتقها حماية العالم من النازية والفاشية، ولجم الدكتاتوريات المتوحشة.. وتحت هذه العناوين دخلت الحربين الكونيتين: الاولى والثانية، وكسرت انف النازي، وحررت اوروبا والعالم من الوحوش العنصرية المفترسة، واستمرارا لنفس النهج...خاضت الحرب الباردة، وانتصرت على الاتحاد السوفيتي، وانهت تجربة الدول الشمولية المؤلمة..!!.
اميركا التي سطع نجمها،وادهشت العالم بتجربتها، وهي تحقق هذه الانتصارات.. وهذه الانجازات، لم تول الداخل الاميركي الاهتمام الحقيقي، لم تتصد لفيروس العنصرية –كما يجب- وقد عاد لينتشر بسرعة، بعد الانتصار في الحرب الباردة، وبعد بزوغ فجر القوميات ومطالبة الاقليات بالاستقلال والانفصال. كما حدث في يوغوسلافيا، وتشيكوسلوفاكيا، وفي الاتحاد السوفيتي الذي تشظى لعدة دول.. فوصلت الشرارة الى اميركا، والتي هي عبارةعن مجتمع مهاجرين «امم متحدة» تضم كل الجنسيات..وكل القوميات والاجناس والالوان..
تشومسكي كبير المفكرين الاميركين، دعا مبكرا الى ضرورة اعادة النظر في النظام التعليمي والتربوي، وتحقيق العدالة الاجتماعية..لانقاذ السود من الظلم والتمييز الذي يتعرضون له..
فيما اعتبر اخرون انتخاب « اوباما» الاسود رئيسا لاميركا.. ما هي الا محاولة لاعادة ترميم الديمقراطية الاميركية، واعادة الاعتبار للسود.
باختصار...
علمتنا درس التاريخ ان الامبراطوريات الكبرى تتقوض من الداخل، وان فيروس العنصرية والظلم والتمييز العنصري هو السرطان الذي يطيح بهذه الامبراطوريات..
هذا ما حدث للامبراطورية الرومانية وللسوفياتية.. وهو ما سيحدث للامبرطورية الاميركية.. كما توقع الباحث والمفكر فاضل الربيعي وقد دخلت اميركا «اللحظة السوقيتية»..
لحظة الانهيار والتشظي....فلقد بدأ الزلزال.