اخبار البلد - صالح الراشد
تعيش الأمة العربية على هامش الزمن، وقد يدعي البعض وأنا منهم في لحظات نادرة بأن لنا دور في قيادة العالم، لكن في حقيقة الأمر لا زالت الأمة العربية رهينة محابس عديدة لتتفوق على أبو العلاء المعري في محبسيه، فأمتنا العربية رهينة لإتفاقات متعددة كبلتها وجعلتها بلاد مستعمرة دون سلاح لا تملك من أمرها شيء وتتغني بحريتها وبدورها في صناعة العالم الحر وربما تحلم بقيادته، متناسين أن العبيد لا يحكمون، وقد إرتضينا بهذا الدور لذا علينا وقبل أن نفكر بالقفز إلى موقع جديد أن نعلم أين نحن وكم وزننا في معادلات العالم، فسلاحنا الأقوى النفط أصبح تحت سيطرتهم ويتصرفون به حسب قرارات منظمة الأمم المتحدة التي تمنح شرعية القتل وحرية الموت, فيما موقعنا الجغرافي الذي نتغنى به أصبح بفضل قواعدهم العسكرية موقعهم، ولا قدرة لنا على الطلب منهم حتى بإستحياء إحترام حرمة بلادنا، فيما سفاراتهم تحولت إلى مراكز للجاسوسية وبعض منظمات المجتمع المدني التابعة للغرب اصبحوا أتباع وعملاء من الدرجة الأولى.
هذه حالنا لا يخفى على أحد ومن ينكره يكون إما ضرير لا يرى أو أصم لا يسمع أو جبان فقد القدرة على النطق، وحتى نتجاوز الحال ونصبح أمة ذات هيبة وإجلال علينا أن نستذكر دروس الماضي والآلآم الحاضر وأحلام المستقبل وعندها قد نهتدي للصواب، كون الهداية هنا مرتبطة بالمرجعيات التي تستند إليها الدولة، وقد تعلم أجدادنا عند الشيوخ في الكتاب بأن الأمة يجب أن تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع، هذا إذا أرادت أن تكون دولة مستقلة في قرارها وقدرتها، لذا فإن التكامل الإقتصادي ياتي في المرتبة الأولى للوحدة، ولأجل ذلك فقد تقاسم العالم الوطن العربي، فمرجعية البعض لندن وآخرون موسكو أو بكين فيما يحج الغالبية صوب واشنطن، ولكل من هذه العواصم حساباتها العلنية التي تتعارض مع بقية العواصم، ولكنهم حين يجتمعون يؤسسون دولة الظلم والقهر التي تأتمر بأمر دولة الوهم وأوثان الشرعية، لنشعر أن ثرواتنا المنهوبة وحياتنا المسلوبة وأعدادنا المهولة ما هم إلا مجرد غثاء سيل لا يؤثر، لذا فإن الوحدة الإقتصادية حاجة ماسة حتى إن تمت قسمتها إلى بلاد الشام والخليج وشمال إفريقيا، كون ثقل وتوحيد ثلاث منظمات أسهل من توحيد أكثر من عشرين دولة.
ويدرك الغرب الذي صنع الحدود وحولها إلى آلهة عربية تنافس اللات والعزى في مكانتها الدينية والتاريخية، يدرك ان وحدة الإقتصاد ستقود إلى صناعة السيف الذي يبطش والترس الذي يحمي، وبالتالي يصبح لهذه الأمة من يذود عنها ولن تحتاج إلى القواعد التي تحمي الأنظمة وتسيطر على البلاد، وإن تم هذا الأمر وهو في غاية الصعوبة سيتحول الكيان الصهيوني المرعب إلى حمل وديع حيث سيظهر مدى دونيته وحقارته، فيصبح الخلاص منه سهل جداً حيث لن يجد من يقف معه كون السيف العربي بتار وقادر على قطع دابر المعتدين، وتكتمل دائرة القوة في حال تم استخدام قوة الثروات والسيف والترس في التعامل مع دول العالم حيث ستتغير طريقة المعاملة وتصبح الند للند، وعندها ستكون علاقات قائمة على بناء المصالح المشتركة وليست علاقات مرضية أحدهم يأمر والآخر يُطيع كما هو الحال العربي المزري حالياً.
وفي حال تجاوزنا حدود الجنون والهوان وكسرنا قيد العبودية الغربي، فسنجد أننا قد تحولنا من رقم هامشي إلى قادة العالم، وهذا حق مشروع لنا بحكم التاريخ وقيادة العالم سابقاً، ونحن قادرون على هذه القيادة بشرط الخلاص من الإستعمار الداخلي الجاثم على صدر أمتنا التي تم تكبيلها وإستعمارها بفضل مجموعة من الإتفاقات التي لا تصب في مصلحتها، وبمجموعة من قرارات الشرعية الدولية التي تتعامل معنا حسب قانون "سكسونيا" الذي يُنصف الأقوياء فقط، ونحن نملك القدرة الكاملة لنكون من الأقوياء عندما نتحرر من الفكر والإستعمار الغربي في شتى مجالات الحياة، وتكون البداية بالتحرر من إستعمار عملاء الإستعمار كونهم يشكلون جذوره التي تغلغلت في أراضينا وحولتها إلى مستوطنات للغرب ، وهنا قد يتساءل البعض، هل حقاً نريد الخلاص من أوثان الشرعية الدولية وأوهام حريتها ونحصل على حريتنا أم أننا عشقنا العبودية حتى أصبحنا غير قادرين على إتخاذ القرارات التي تهمنا، وننتظر من البيوت الملونة والملوثة أرسال قراراتها لنقول:" أمرك سيدي".!!