« تحركات السود في أمريكا..» بهذا الوصف يعنون أحد الكتاب مقاله منتقداً واقع حقوق الإنسان والأقليات في الولايات المتحدة الأميركية في قراءةٍ منه للأحداث الدائرة هناك والتي جاءت رداً على حادثة مقتل المواطن الأميركي ذي الأصول الأفريقية على يد أحد أفراد الشرطة في مدينة مينيابولس، حاله حال العديد من الكُتّاب والخبراء والمحللين العرب الذين استنفروا تعقيباً وتشخيصاً وتقييماً للأحداث التي تشهدها الولايات الأميركية مستعرضين حجم المعاناة فيها ومُحذرين من الانعكاسات السلبية للسياسة العنصرية التي تنتهجها إدارة البيت الأبيض بحق مواطنيها. بل أن العديد ذهب إلى أبعد من ذلك من خلال إدارة الحملات الإعلامية المُناصرة عبر مواقع التواصل الإجتماعي وبدأت تُصاغ المقاربات بين الحادثة وبين الجرائم التي يرتكبها حليف الولايات المتحدة في منطقتنا.
وعودةً لعنوان الكاتب الذي وصف فيه التظاهرات التي تشهدها عدة مدن وولايات أميركية بأنها «تحركات السود» نلمس العنصرية الكامنة المستترة في ثنايا اللغة المُستَخدمة وإلا فكيف له أن يفند واقع الحريات وحقوق الإنسان هناك بالوقت الذي يصف ويحصر فيه ما يحدث بأنها مجرد تحركاتٍ وللسود ! اللغة التي لم تختلف كثيراً عند الآخرين الذين تناولوا ذات الحدث فالعديد منهم تحدثوا شامتين بما يحدث وكأن تضرعات شعوب المنطقة استحالت قدراً إلهياً أصاب أميركا! أما البعض الآخر فقد نصّبوا أنفسهم خبراء في الشأن الأميركي الداخلي هناك بحيث قدموا تحليلاتهم الخاصة بطبيعة النسيج الإجتماعي وواقع الحريات، ومآلها بظل سياسات الحكومة الفيدرالية المركزية وأثرها على المستوى الوطني للولايات بل على إمكانية استمرارها كولايات متحدة !
الكثير الذي تم طرحه وتقديمه على مذبح المنابر المختلفة من قبلنا نحن العرب حَمل بِمُعظَمه رسائل مختلفة المضامين لإدارة البيت الأبيض ولمواطنيّ الولايات المتحدة الأميركية لكن باللغة العربية وعبر فضاءاتنا العربية، العديد تحدث أيضاً عن وجوب احترام كرامة وحقوق الإنسان وصون الحريات عبر مفرداتٍ عكست رفض الآخر بل التشفي بما يحدث بالإنسان هناك وبأنه النتيجة الحتمية لسياسات قادتهم ضد منطاق عديدة حول العالم في تعبيرٍ عاجز عن الموقف الحانق، البعض منّا قدم دروساً لقيادة الولايات المتحدة الأميركية ولمواطنيها عن أسس الدولة المدنية وكيف تُبنى العلاقة بين السلطات فيها والبعض الآخر قدم استشرافاً لمستقبل الولايات المتحدة الأميركية يشير حسب طرحهم لانهيارٍ بات قاب قوسين أو أدنى بفعل الأحداث التي تُنبئ (كما يعتقدون) بحربٍ أهلية أميركية جديدة !
مجموع ردود أفعال الشارع العربي حول حادثة مقتل جورج فلويد تؤشر لقضايا عديدة أبرزها هو حجم الغضب المُختزن داخله بِفعل السياسات الأميركية العنصرية المُمارسة ضد شعوب المنطقة، وفقدان الصلة بين الشعوب العربية وشعوب العالم الذي كان النتيجة الحتمية لمجموع الصراعات التي أشعلها الغرب في الشرق الأوسط والتي لم يتم العمل ذاتياً على تجاوزها بل تحولت إلى ثقافة تعكس رفض الآخر وباتت بالمستوى الذي مهدّ لاستباحة المنطقة عبر مشاريع التطرف وترسيخ خطاب الكراهية، إلى جانب جمود الخطاب العربي وعجزه عن عبور الحدود باتجاه الآخر.
الدور الحلم الذي انعكس مؤخراً من خلال ردود الفعل تلك يتطلب محاربة كافة أشكال التمييز القائم على النوع أو الدين أو العرق المُمارس في مجتمعاتنا وبكافة المناحي وامتلاك المقدرة الجمعية الرافعة الكفيلة بمعالجة القضايا الوطنية والعربية، الأهم أن ندرك طبيعة قضايا الشعوب الأخرى بما يضمن امتلاكنا اللغة والوسائل القادرة على بناء الجسور بيننا وبين الآخر الذي ننشد دوماً فهمه لقضايانا وبالتالي مناصرته لنا.
العنصرية الكامنة في خطابنا الأعرج
أخبار البلد - اخبار البلد-