لو كان يعلم أبطال الحرب العالمية الثانية ورموزها، الذين قادوا العالم إلى الانقسام والصراع مثل أيزنهاور، وستالين، وتشرشل، أن الأوبئة والأمراض والكوارث الطبيعية من الممكن أن تهزم دولاً، وأن تُنهي تحالفات، وتقيم تحالفات جديدة، كما يحدث الآن وكما سيحدث في المستقبل- في ظلّ أزمة كوررنا العالمية، ما دخلوا في حرب باردة طيلة خمسين عاماً، خسِر العالم خلالها الكثير من الأموال، والبشر والحجر لاثبات القوة إزاء الآخر، وإخضاعه إليها!
اليوم، في مواجهة كورونا دقّت ساعة الحقيقة أمام إيطاليا لمعرفة الحلفاء الحقيقيين، والأصدقاء الحقيقيين، من الحلفاء والأصدقاء الوهميين كي لا نقول الكاذبين. ففي الأوقات الصعبة، تبرز الحقيقة بكامل ألوانها وأبعادها، وتتضح الصورة أكثر وأكثر في إطارها الصحيح
لذلك، تشعر إيطاليا عبر تجربة الكورونا باليتم والخيانة من جانب من كان يُعتقد بأنهم أصدقاء، وجيران، وحلفاء. فهي تمرّ في ظروف استثنائية في ظلّ هذا الفيروس الخطير، الذي حصد ما يقارب الـ 10 آلاف مواطن إيطالي، و90 ألف مصاب تقريباً إلى الآن، ولا أحد في الاتحاد الأوروبي يدقّ الباب ليسأل: هل تحتاجون مساعدة؟ وهل يمكن أن نتعاون لمواجهة هذا المرض؟ اطلبوا ما تريدون وسترون سرعتنا في تلبيته؟ إلخ من الأسئلة التقليدية التي قد يطرحها صديق على صديق، أو جار على جار، فردياً وجماعياً، ودولياً؛ وكل هذا لم يحدث!
والمفاجأة، بالنسبة إلى المواطن الإيطالي العادي قبل السياسي المحنّك، بروز الدور الإنساني المفاجئ للصين الشعبية (الاشتراكية)، وروسيا الاتحادية (قائدة الاشتراكية سابقاً)، وكوبا (الاشتراكية الثورية) تجاه إيطاليا الرأسمالية (عسكرياً عضو الناتو)، و(سياسياً- عضو الاتحاد الأوروبي)، و(اقتصادياً -عضو الدول الصناعية الكبرى- G7) دون أن تقدّم أيّ من دول أو مؤسسات هذه الكتلة الراسمالية مساعدات تُذكر؛ على الأقل إلى الآن!
والتساؤلات التي تسود إيطاليا بكافّة طبقاتها السياسية والشعبية: أين الاتحاد الأوروبي؟ وأين دول الجوار الكبرى: فرنسا وألمانيا؟ وأين الحليف التاريخي الأمريكي من روما القديمة ؛ عاصمة العالم، والفن، والجمال، والعمارة، والسينما، ورفاق الحضارة، والثقافة، والديموقراطية؟
تزداد مرارة الموقف لإيطاليا وشعبها وحكومتها من حلفائها في الاتحاد الأوروبي عندما يتذكّرون بأن قطار الاتحاد الأوروبي انطلق من عاصمتهم عبر معاهد روما عام 1957، التي وقع عليها الخارجون للتوّ من أتون الحرب العالمية الثانية ومآسيها، المنتصرون منهم والخاسرون؛ فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ودول اتحاد البنلوكس (BENELUX) بلجيكا ولوكسمبرغ وهولندا، مشكّلين النواة الصلبة لما سُمّى آنذاك السوق الأوربية المشتركة MC المكوّنة من 6 دول، ليصبح اسمه الاتحاد الأوروبي EU عام 2013 بوجود 28 دولة قبل أن تخرج منه بريطانيا عام 2016
والإيطاليون يعتقدون بأن لهم فضل ما على الأوروبيين كون بلدهم كان شاهداً وحاضراً على مراحل كبرى مرّ فيها هذا القطار الأوروبي ، الذي قفز فوق الحرب العالمية الثانية من صراع الإخوة الأوروبيين إلى تضامن الإخوة الأوروبي، وبالانتقال من صناعة المصالح الاقتصادية إلى بناء المواقف السياسية
ومما زاد من شعور الوحدة لدى الإيطاليين في مواجهة قدرهم الكوروني، مشاهدتهم ما تناقلته وسائل الإعلام عن تضامن دول الجوار الأوروبي مع فرنسا الدولة المهمّة في الاتحاد الأوروبي، باستقبال مصابين في الكورونا في مستشفياتهم لتخفيف الضغط على المستشفيات الفرنسية ومراكزها الصحية من جانب جيرانها السويسريين والألمان، الذين لم يفكّرا للحظة بجيرانهما في إيطاليا الأكثر حاجة وإلحاحاً!
السؤال الجوهري الذي قد يطرحه ابن الشارع العادي والسياسي هو: كيف يمكن أن تتصرّف إيطاليا إزاء حلفائها في الاتحاد الأوروبي؟ هل ستعلن خروجها منه؟ أم أنها ستغفر له تقصيره وتقصير أعضائه، وتعود الآمور كما كانت قبل أزمة كورونا؟
يمكن القول بأنه في ظلّ إمكانية تعميق العلاقات الإيطالية الصينية، والإيطالية الروسية؛ الدولتان اللتان كان لهما دوراً هاماً في الوقوف مع إيطاليا لمواجهة كورونا، وفي ظلّ وجود أسباب إضافية سابقة على أزمة كورونا، من الممكن جداً كي لا نقول من المؤكد بأن إيطاليا ربما تفكر بـ الهمس المنخفض للخروج من الاتحاد الأوروبي على المدى المتوسط والبعيد. والأسباب هي:
أولاً: المديوينة العالية
تواجه إيطاليا أزمة كورونا في وقت تعاني فيه من مشكلة مديونية وصلت إلى 2.14 تريلون$، تمثّل 134.4% هذا العام من الناتج المحلي الاجمالي، وستصل إلى 138.5% عام 2024. وهي نسب كبيرة وخطيرة، إذ من الصعب على إيطاليا الوفاء بديونها إلا عبر قيامها بالتهام الوجبة المسمومة المعروضة عليها من الدائنين، خاصة الفرنسيين؛ تقشّف حاد، وزيادة ضرائب، وخصصخصة الأملاك العامة. في الواقع، لا أحد يستيطع أن يغامر بـ ثورة سياسية تأكل الأخضر واليابس، لا سيما في وجود حكومة إيطالية، يمينية ائتلافية مشكلة من تحالف حزب الـ 5 نجوم، وعصبة الشمال، التي من المستحيل قبولها لهذه الشروط القاتلة، كون الحزبان المؤتلفان ضدّ عضوية إيطاليا في منطقة اليورو أساساً، ويتمرّدان باستمرار على القرارات الأوروبية التي تتحكّم بها بروكسل
ثانياً: إيطاليا والتغريد خارج السرب الأوروبي
يمكن اعتبار المواقف السياسية الإيطالية إزاء الصين وفنزويلا كأسباب مهمّة في خلق فجوة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد توقيع اتفاقية إيطالية- صينية عام 2019 للانضمام إلى طريق الحرير الذي أطلقته بكين في 2013 بقيمة تتجاوز 1.2 تريليون دولار، مما أثار قلق ليس فقط الاتحاد الأوروبي بل الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، على الرغم من تطمينات رئيس وزراء إيطاليا بأن الحكومة ما زالت ملتزمة بشركائها الغربيين، لكن عليها وضع (إيطاليا أولاً)
كما أن رفض إيطاليا الاعتراف عام 2019 بشرعية رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو رئيساً مؤقتا لفنزويلا، كما يريد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية الراغبان في التخلّص من الرئيس الشرعي نيكولا مادورو، ساهم في إفشال الاتحاد الأوروبي في اتخاذ قرار أوروبي موحّد. فـ حكومة إيطاليا، ومنها حركة 5 نجوم، لن تعترف أبداً بأناس يعلنون أنفسهم رؤساء ، كما برّر ذلك أندور دي باتيستا إحدى أبرز شخصيات حركة (5 نجوم) الإيطالية التي تشكّل نصف الائتلاف الحاكم
رابعاً: البيروقراطية الأوروبية المترهلة ونهاية التضامن
على الرغم من أن المبدأ الجوهري التي تقوم عليه فكرة الاتحاد الأوروبي هي التضامن والتعاون والتنسيق في كلّ المجالات، إلا أن أزمة كوررنا عرّت الاتحاد ومؤسساته في قدرته على تفعيل روح التضامن الأوروبي مع دوله، وخاصة تلك المتاثرّة أكثر من غيرها مثل إيطاليا
ويتجلّى فشل الاتحاد الأوروبي في قيام دوله بالتحرّك منفردة دون تنسيق في ما بينها، وإغلاق حدودها، وتطبيق سياسات العزل، مما أفقد روح التضامن الجماعي؛ وهكذا انتصرت فكرة المصالح الوطنية الذاتية على حساب المجموع الأوروبي، لا سيما بعد أن وعدت دول مثل فرنسا والمانيا بالمساعدة، ثم قامت بفرض قيود على صادارتها الطبية إلى إيطاليا، بالرغم من دعوة المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء إلى المساعدة
هنا، يمكن الإشارة إلى رأي السفير الإيطالي لدى الاتحاد الأووربي ماوريتسو ماساري الذي قال: إيطاليا تُركت وحيدة في مواجهة فيروس كورونا، كما تركت وحيدة في مواجهة أزمة اللاجئين
إذاً، في ظلّ وجود كلّ هذه الأسباب الموضوعية والواقعية، لا يمكن لأيّ عاقل يتحلّى بالمنطق ألا يدرك حقيقتين:
الأولى: سبب التلكؤ الأوروبي- الأمريكي في دعم إيطاليا، رغم الاعتراف بتخصيص الاتحاد الأوروبي 750 مليار يوور لشراء سندات إيطاليا من أجل مواجهة الأزمة
والثانية: رفض الشعب الإيطالي للعملة الموحّدة، وقرارات الاتحاد المتخذة من العاصمة الأوروبية؛ بروكسل، ما يدفع المقترعين الطليان للتوجه نحو الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرّفة أحياناً، آملين، من خلالها، إعادة هويتهم الضائعة، وسيادتهم على سياستهم واقتصادياتهم، وتخلّصهم من واقعهم الاقتصادي الصعب
باختصار، على الرغم من الاختلافات السياسية الطبيعية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول العديد من الملفّات الإقليمية والدولية، كما حدث تجاه الصدمة النفطية 1973، أو حيال الحرب على العراق 2003، إلا أن حرب فيروس كورونا تُعدّ الخطر القادم في علاقة إيطاليا بمرجعيتها السياسية والاقتصادية في الاتحاد الأوروبي
وإذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بريكسيت عام 2016، تمّ برغبة شعبية، تبعه قرار حكومي، فإن خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي قد يكون قراراً شعبياً وحكومياً في آن؛ على الأمد المتوسط وربما البعيد!
اليوم، في مواجهة كورونا دقّت ساعة الحقيقة أمام إيطاليا لمعرفة الحلفاء الحقيقيين، والأصدقاء الحقيقيين، من الحلفاء والأصدقاء الوهميين كي لا نقول الكاذبين. ففي الأوقات الصعبة، تبرز الحقيقة بكامل ألوانها وأبعادها، وتتضح الصورة أكثر وأكثر في إطارها الصحيح
لذلك، تشعر إيطاليا عبر تجربة الكورونا باليتم والخيانة من جانب من كان يُعتقد بأنهم أصدقاء، وجيران، وحلفاء. فهي تمرّ في ظروف استثنائية في ظلّ هذا الفيروس الخطير، الذي حصد ما يقارب الـ 10 آلاف مواطن إيطالي، و90 ألف مصاب تقريباً إلى الآن، ولا أحد في الاتحاد الأوروبي يدقّ الباب ليسأل: هل تحتاجون مساعدة؟ وهل يمكن أن نتعاون لمواجهة هذا المرض؟ اطلبوا ما تريدون وسترون سرعتنا في تلبيته؟ إلخ من الأسئلة التقليدية التي قد يطرحها صديق على صديق، أو جار على جار، فردياً وجماعياً، ودولياً؛ وكل هذا لم يحدث!
والمفاجأة، بالنسبة إلى المواطن الإيطالي العادي قبل السياسي المحنّك، بروز الدور الإنساني المفاجئ للصين الشعبية (الاشتراكية)، وروسيا الاتحادية (قائدة الاشتراكية سابقاً)، وكوبا (الاشتراكية الثورية) تجاه إيطاليا الرأسمالية (عسكرياً عضو الناتو)، و(سياسياً- عضو الاتحاد الأوروبي)، و(اقتصادياً -عضو الدول الصناعية الكبرى- G7) دون أن تقدّم أيّ من دول أو مؤسسات هذه الكتلة الراسمالية مساعدات تُذكر؛ على الأقل إلى الآن!
والتساؤلات التي تسود إيطاليا بكافّة طبقاتها السياسية والشعبية: أين الاتحاد الأوروبي؟ وأين دول الجوار الكبرى: فرنسا وألمانيا؟ وأين الحليف التاريخي الأمريكي من روما القديمة ؛ عاصمة العالم، والفن، والجمال، والعمارة، والسينما، ورفاق الحضارة، والثقافة، والديموقراطية؟
تزداد مرارة الموقف لإيطاليا وشعبها وحكومتها من حلفائها في الاتحاد الأوروبي عندما يتذكّرون بأن قطار الاتحاد الأوروبي انطلق من عاصمتهم عبر معاهد روما عام 1957، التي وقع عليها الخارجون للتوّ من أتون الحرب العالمية الثانية ومآسيها، المنتصرون منهم والخاسرون؛ فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ودول اتحاد البنلوكس (BENELUX) بلجيكا ولوكسمبرغ وهولندا، مشكّلين النواة الصلبة لما سُمّى آنذاك السوق الأوربية المشتركة MC المكوّنة من 6 دول، ليصبح اسمه الاتحاد الأوروبي EU عام 2013 بوجود 28 دولة قبل أن تخرج منه بريطانيا عام 2016
والإيطاليون يعتقدون بأن لهم فضل ما على الأوروبيين كون بلدهم كان شاهداً وحاضراً على مراحل كبرى مرّ فيها هذا القطار الأوروبي ، الذي قفز فوق الحرب العالمية الثانية من صراع الإخوة الأوروبيين إلى تضامن الإخوة الأوروبي، وبالانتقال من صناعة المصالح الاقتصادية إلى بناء المواقف السياسية
ومما زاد من شعور الوحدة لدى الإيطاليين في مواجهة قدرهم الكوروني، مشاهدتهم ما تناقلته وسائل الإعلام عن تضامن دول الجوار الأوروبي مع فرنسا الدولة المهمّة في الاتحاد الأوروبي، باستقبال مصابين في الكورونا في مستشفياتهم لتخفيف الضغط على المستشفيات الفرنسية ومراكزها الصحية من جانب جيرانها السويسريين والألمان، الذين لم يفكّرا للحظة بجيرانهما في إيطاليا الأكثر حاجة وإلحاحاً!
السؤال الجوهري الذي قد يطرحه ابن الشارع العادي والسياسي هو: كيف يمكن أن تتصرّف إيطاليا إزاء حلفائها في الاتحاد الأوروبي؟ هل ستعلن خروجها منه؟ أم أنها ستغفر له تقصيره وتقصير أعضائه، وتعود الآمور كما كانت قبل أزمة كورونا؟
يمكن القول بأنه في ظلّ إمكانية تعميق العلاقات الإيطالية الصينية، والإيطالية الروسية؛ الدولتان اللتان كان لهما دوراً هاماً في الوقوف مع إيطاليا لمواجهة كورونا، وفي ظلّ وجود أسباب إضافية سابقة على أزمة كورونا، من الممكن جداً كي لا نقول من المؤكد بأن إيطاليا ربما تفكر بـ الهمس المنخفض للخروج من الاتحاد الأوروبي على المدى المتوسط والبعيد. والأسباب هي:
أولاً: المديوينة العالية
تواجه إيطاليا أزمة كورونا في وقت تعاني فيه من مشكلة مديونية وصلت إلى 2.14 تريلون$، تمثّل 134.4% هذا العام من الناتج المحلي الاجمالي، وستصل إلى 138.5% عام 2024. وهي نسب كبيرة وخطيرة، إذ من الصعب على إيطاليا الوفاء بديونها إلا عبر قيامها بالتهام الوجبة المسمومة المعروضة عليها من الدائنين، خاصة الفرنسيين؛ تقشّف حاد، وزيادة ضرائب، وخصصخصة الأملاك العامة. في الواقع، لا أحد يستيطع أن يغامر بـ ثورة سياسية تأكل الأخضر واليابس، لا سيما في وجود حكومة إيطالية، يمينية ائتلافية مشكلة من تحالف حزب الـ 5 نجوم، وعصبة الشمال، التي من المستحيل قبولها لهذه الشروط القاتلة، كون الحزبان المؤتلفان ضدّ عضوية إيطاليا في منطقة اليورو أساساً، ويتمرّدان باستمرار على القرارات الأوروبية التي تتحكّم بها بروكسل
ثانياً: إيطاليا والتغريد خارج السرب الأوروبي
يمكن اعتبار المواقف السياسية الإيطالية إزاء الصين وفنزويلا كأسباب مهمّة في خلق فجوة مع الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد توقيع اتفاقية إيطالية- صينية عام 2019 للانضمام إلى طريق الحرير الذي أطلقته بكين في 2013 بقيمة تتجاوز 1.2 تريليون دولار، مما أثار قلق ليس فقط الاتحاد الأوروبي بل الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، على الرغم من تطمينات رئيس وزراء إيطاليا بأن الحكومة ما زالت ملتزمة بشركائها الغربيين، لكن عليها وضع (إيطاليا أولاً)
كما أن رفض إيطاليا الاعتراف عام 2019 بشرعية رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو رئيساً مؤقتا لفنزويلا، كما يريد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية الراغبان في التخلّص من الرئيس الشرعي نيكولا مادورو، ساهم في إفشال الاتحاد الأوروبي في اتخاذ قرار أوروبي موحّد. فـ حكومة إيطاليا، ومنها حركة 5 نجوم، لن تعترف أبداً بأناس يعلنون أنفسهم رؤساء ، كما برّر ذلك أندور دي باتيستا إحدى أبرز شخصيات حركة (5 نجوم) الإيطالية التي تشكّل نصف الائتلاف الحاكم
رابعاً: البيروقراطية الأوروبية المترهلة ونهاية التضامن
على الرغم من أن المبدأ الجوهري التي تقوم عليه فكرة الاتحاد الأوروبي هي التضامن والتعاون والتنسيق في كلّ المجالات، إلا أن أزمة كوررنا عرّت الاتحاد ومؤسساته في قدرته على تفعيل روح التضامن الأوروبي مع دوله، وخاصة تلك المتاثرّة أكثر من غيرها مثل إيطاليا
ويتجلّى فشل الاتحاد الأوروبي في قيام دوله بالتحرّك منفردة دون تنسيق في ما بينها، وإغلاق حدودها، وتطبيق سياسات العزل، مما أفقد روح التضامن الجماعي؛ وهكذا انتصرت فكرة المصالح الوطنية الذاتية على حساب المجموع الأوروبي، لا سيما بعد أن وعدت دول مثل فرنسا والمانيا بالمساعدة، ثم قامت بفرض قيود على صادارتها الطبية إلى إيطاليا، بالرغم من دعوة المفوضية الأوروبية الدول الأعضاء إلى المساعدة
هنا، يمكن الإشارة إلى رأي السفير الإيطالي لدى الاتحاد الأووربي ماوريتسو ماساري الذي قال: إيطاليا تُركت وحيدة في مواجهة فيروس كورونا، كما تركت وحيدة في مواجهة أزمة اللاجئين
إذاً، في ظلّ وجود كلّ هذه الأسباب الموضوعية والواقعية، لا يمكن لأيّ عاقل يتحلّى بالمنطق ألا يدرك حقيقتين:
الأولى: سبب التلكؤ الأوروبي- الأمريكي في دعم إيطاليا، رغم الاعتراف بتخصيص الاتحاد الأوروبي 750 مليار يوور لشراء سندات إيطاليا من أجل مواجهة الأزمة
والثانية: رفض الشعب الإيطالي للعملة الموحّدة، وقرارات الاتحاد المتخذة من العاصمة الأوروبية؛ بروكسل، ما يدفع المقترعين الطليان للتوجه نحو الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرّفة أحياناً، آملين، من خلالها، إعادة هويتهم الضائعة، وسيادتهم على سياستهم واقتصادياتهم، وتخلّصهم من واقعهم الاقتصادي الصعب
باختصار، على الرغم من الاختلافات السياسية الطبيعية بين أعضاء الاتحاد الأوروبي حول العديد من الملفّات الإقليمية والدولية، كما حدث تجاه الصدمة النفطية 1973، أو حيال الحرب على العراق 2003، إلا أن حرب فيروس كورونا تُعدّ الخطر القادم في علاقة إيطاليا بمرجعيتها السياسية والاقتصادية في الاتحاد الأوروبي
وإذا كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بريكسيت عام 2016، تمّ برغبة شعبية، تبعه قرار حكومي، فإن خروج إيطاليا من الاتحاد الأوروبي قد يكون قراراً شعبياً وحكومياً في آن؛ على الأمد المتوسط وربما البعيد!