فيروس كورونا المستجد أو « كوفيد - 19 » ملأ الدنيا وشغل الناس بما لا يقاس بأي فيروس سابق مهما كان عدد المصابين به وضحاياه، وفي تناول هذا الفيروس اختلط العلم والطب بالدين والسياسة والاقتصاد والمال والشعوذة والخرافة، وطال العلاقات الإنسانية والاجتماعية، وأثر على إمكانية استمرار التواصل بين البشر، وتم وصف الفيروس بـ « الجائحة»؛ الأكثر خطورة من الوباء، وأصابت الحياة بكل مجالاتها وأبعادها . ووجدنا الأمانة العامة للأمم المتحدة تعلن الطوارئ، وتناشد العالم الحرص في التعامل مع هذا الفيروس الخطير .
وبدا ذلك واضحا في رسالة مصورة وجهها الأمين العام « أنطونيو غوتيريش » الثلاثاءالماضي ( 17 مارس / آذار الحالي ) للأفراد والمجتمعات والدول؛ مشيرا إلى أن « جائحة » كوفيد 19؛ ما تزال تحت السيطرة، وهناك إمكانية لإبطاء انتقال العدوى والحد منها وإنقاذ الأرواح عبر اتخاذ إجراءات غير مسبوقة على الأصعدة الشخصية والوطنية والدولية . وبدت الرسالة لبث الطمأنينة في النفوس في ظل تعاظم الفيروس وسرعة انتشاره، وإلا ما كان قد وصفه « غوتيريش » بـ«الجائحة » ، وهو وصف لما هو أكبر من الوباء، الذي ينتشر على مساحات واسعة من اليابسة؛ اتسعت في حالة فيروس كرونا لتشمل الكرة الأرضية .
هذا حدث بالفعل مع جائحة « كوفيد 19 » ، واختلافها مع الأوبئة المُتَوطِّنة؛ واسعة الانتشار والمستقرة، من حيث معرفة عدد من يصابون بها، وهو ما لا يدخلها في زمرة « الجائحة » ، وجمعها جوائح، وبناء على ذلك تم استبعاد نوبات الإنفلوانزا ونزلات البرد الموسمية المتكررة، وذلك خلافا للعديد مما تكرر على مدى التاريخ؛ مثل الجدري والسل . وكان « الطاعون الأسود » أكثرها فتكا، وراح ضحيته أكثر عن 20 مليون نسمة في منصف القرن الرابع عشر الميلادي .
وأحدث وأشهر « الجوائح » كان فيروس نقص المناعة المكتسب ( الإيدز ) والانفلونزا الأسبانية عقب الحرب العظمى ( 1918 ) ، ثم انفلونزا الخنازير في بداية هذا القرن ( 2009 ) ، وإنفلونزا إن1 وإتش1، وصولا إلى فيروس كورونا المستجد « كوفيد 19 » .
ونوه الأمين العام للأمم المتحدة في رسالته المصورة أنه يتفهم حالة القلق والاضطراب والإرباك التي يشعر بها كثيرون، وأضاف « نحن نواجه تهديدا صحيا لا مثيل له في حياتنا » . ونبه إلى أن من أكثر الفئات ضعفا هي الأشد تضررا؛ خاصة كبار السن ومن يعانون من أمراض مزمنة ومن لا يحصلون على رعاية صحية كافية، وكذلك الفقراء والمهمشين
واتخذ « غوتيريش » قرارا بزيادة إجراءات الوقاية في المقرّ الدائم بنيويورك للحد من انتشار الفيروس . ومن بداية 16 مارس / آذار الحالي بدأ جميع موظفي الأمم المتحدة العمل من منازلهم حتى تاريخ 12 أبريل / نيسان المقبل، ثم يتم تقييم ضرورة الحفاظ على عدد أقل من الموظفين في المقر الدائم، وأبلغ الأمين العام الدول الأعضاء بهذا القرار .
تجارب الصين وكوريا وسنغافورة وغيرها تظهر أن الاختبارات المكثفة، ومتابعة التواصل، والحفاظ على المسافة الاجتماعية، تدابير من شأنها أن تمنع العدوى وتنقذ الحياة
وذلك بالإضافة إلى ما أحدثه الفيروس من هبوط في الأسهم العالمية، وتداعياته الكبيرة على الاقتصاد العالمي . وذكر « غوتيريش » إن الفيروس أصاب الاقتصاد العالمي، « فقد تضررت الأسواق الماليةبسبب حالة عدم اليقين، وتعطلت سلاسل الإمداد العالمية وقوى الاستثمار، وزاد الطلب من المستهلكين، وأصبح هناك خطر حقيقي ومتزايد لحدوث ركود عالمي » ، وقدّر اقتصاديو الأمم المتحدة أن الفيروس يكلّف الاقتصاد العالمي ما لا يقل عن تريليون دولار هذا العام، إن لم يكن أكثر ! وذكر الأمين العام أن الفيروس سوف يصل إلى منتهاه وستتعافى الاقتصادات . ويجب أن نعمل معا لإبطاء انتشاره والاعتناء ببعضنا البعض . « فهذا هو وقت التعقل، لا الذعر . وقت العلم، لا الوصم . وقت الحقائق، لا الخوف » .
وأكدت منظمة الصحة العالمية على انتشار الفيروس حاليا في 123 دولة، وفي وفاة 5000 شخص حتى نهاية الأسبوع الثاني من شهر مارس / آذار الحالي 2020، وجاء في تقريرها ليوم الثلاثاء الماضي 17 مارس 2020 ما زالت الصين تحتل المرتبة الأولى من حيث إجمالي الإصابات، التي بلغت 81116، وبدأت الجائحة في الانحسار عنها، وجاءت إيطاليا، التي أضحت بؤرة الفيروس في أوروبا؛ في المرتبة الثانية عالميا، حيث بلغت الإصابات فيها 27980، من بينها 3233 إصابة جديدة خلال ذلك اليوم .
واحتلت إيران المرتبة الثالثة عالميا بإجمالي إصابات بلغت 14991 بدون تسجيل أي إصابات جديدة، بينما احتلت إسبانيا المرتبة الرابعة بعد أن كانت في المرتبة الخامسة عالميا ( في 16 مارس / آذار ) بعدد إصابات بلغ 9191 إصابة في حين جاءت كوريا الجنوبية في المرتبة الخامسة عالميا بعدد إصابات وصل إلى 8320 إصابة ! أما على مستوى « القارة العربية » سجلت منظمة الصحة العالمية أن قطر تحتل المرتبة الأولى حيث بلغ عدد الإصابات 439 إصابة، تليها البحرين في المرتبة الثانية بإجمالي 229 إصابة . أما مصر فقد جاءت في المرتبة الثالثة بعدد 166 إصابة، وتلتها المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة بإجمالي إصابات 133 إصابة . واحتلت الكويت المرتبة الخامسة بإجمالي 130 إصابة، ومجمل الإصابات على مستوى العالم وصل إلى 179112 إصابة، توفي منهم 7426 مريضا . حتى الثلاثاء 17 مارس . 2020 .
وبينما كان الشغل الشاغل للأمين العام للأمم المتحدة ومدير منظمة الصحة العالمية والمنظمات ذات الصلة هو الفيروس وانتشاره اسرعت واشنطن يوم الاثنين الماضي ( 16 / 03 / 2020 ) باستدعاء السفير الصيني احتجاجا على « تغريدة » لمسؤول صيني أشار فيها إلى دور الجيش الأمريكي في إدخال فيروس كورونا ( كوفيد 19 ) الى مدينة « ووهان » ، ووجود أدلة تثبت قيام علماء أمريكيين بتطوير فيروس كورونا عام 2015، واتهمت وكالة « شينخوا » الصينية ساسة أمريكيين باستخدام هذا الفيروس كسلاح لتشويه سمعة الصين . جاء ذلك عقب تصريح وزير الخارجية الامريكي « جورج بامبيو » الذي وصف الفيروس بأنه « فيروس ووهان » ، كما انتقد بومبيو محاولات الصين حرف الانتباه عن انتشار كورونا بتوجيه اللوم إلى الولايات المتحدة . فهل يقود هذا التلاسن إلى تحرش يسعى إليه صناع السلاح، وأباطرة المال، ويتوقعه المراقبون .
وفي الوقت الذي بدأ فيه إنحسار الفيروس عن الصين؛ تحولت أوروبا الآن إلى مركز له؛ سجّلت أكبر عدد من الإصابات والوفيات أكثر من أي مكان في العالم، وفاق عدد الحالات التي يتم الإبلاغ عنها يوميا؛ ما تم تسجيله في الصين في أوج انتشار الوباء . وقال مدير منظمة الصحة العالمية تيادروس إن المنظمة تواصل دعم الدول في الاستعداد ومستوى الاستجابة .
ووصف مدير منظمة الصحة العالمية اعتقاد بعض الدول بأنها بمنأى عن فيروس كورونا المستجد بأنه « خطأ قاتل » مشيرا إلى أن المرض يمكن أن يصيب أي شخص »
ذلك الجهد يتم على مستوى الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، فماذا عن الجهود الأخرى؟
(شذرات من جهود أممية في مواجهة كورونا )
أخبار البلد -