في العالم يعيش نوعان من السكّان: نحن، الزبائن المملّون! ونوعٌ آخر من البني آدمين؛ الذين يستخدمون عقولهم، ويصنعون الاختراع تلو الآخر لخدمة البشرية، بدون أن يضعوا شروطاً على غلاف الاختراع يتعلق بلون المستفيد منه أو بدينه أو عِرقه أو جنسه، هؤلاء هم الصينيون واليابانيون والكوريون الذين نتنمر عليهم هذه الأيام في الشوارع والمقاهي وعلى وسائل التواصل بسبب "كورونا”.
نحن الأمة التي لا تصنع شيئاً، حتى "خيط تنظيف الأسنان”، خيط.. مجرد خيط في علبة، نستورده من الصين!! ثم نضع رجلاً على رِجل ونضحك من الصينيين ومن شكل عيونهم والآن نهرب منهم في الشوارع أو نشير إليهم ساخرين!
هل فكَّر أحد منكم قبل ذلك بتفكيك خلّاط "المولينكس” في بيته ليرى كيف يعمل! أنا شخصياً لم أفعل، ولم أفكر حتى بتفسير آلية عمل "عيدان الكبريت”. فمن أين نأتي بكل هذه الثقة بالنفس لنسخر من هؤلاء الناس!
نحن لسنا أكثر من أمّة من الزبائن ثقال الدم، .. بل زبائن متأففين في أحيان كثيرة، ومتحاذقين، ولدينا اعتراضات "جوهرية” على الصناعات اليابانية والألمانية!
حين لا يعجبنا تفصيل صغير في جهازٍ ما، نشعل سيجارة، ونتأفف، ونشتم ذلك الياباني ساخرين، لو أن ذلك "المتخلّف” وضع للجهاز قطعة هنا تفعل كذا وكذا.. ونروح نستفيض في الشرح عن أخطاء المصنع الياباني بثقة لا يملكها في نفسه المصنع ذاته، من دون أن يفكر واحدنا للحظة واحدة أن يخرج مرة من مربّع المستهلك، وأن يضيف هو قطعة للجهاز أو فكرة صغيرة يحسّن بها استخدامه أو حتى في أضعف الإيمان أن يرسل رسالة الكترونية على "الإيميل” الموجود على كرتونة الجهاز.. التي لم نفكر مرة بقراءة تفاصيل ما هو مكتوب عليها!
حين تدخل الى مول للأجهزة الكهربائية أو الإلكترونيات أو حتى المعلبات الغذائية، يدهشك هذا التفرغ العلمي الذي يمارسه سكان الجهة الثانية من العالم، وكيف أن مجموعة من الناس تقوم فعلياً وليس مجازياً على تسهيل الحياة بل صناعتها لكل باقي سكان الكوكب. فهم يفكرون بماكينة لصنع القهوة ثم يصنعون لك ألف نوع منها، وأنت لا يعنيك سوى أن تقلب الفنجان بعد القهوة لتقرأ الفال!
ثم يخترعون لك ألف نوع من السيارات وأنت لا يعنيك سوى أن ترفع صوت المسجّل لتلفت انتباه الفتاة الواقفة على الإشارة!
ثم يصنعون كل هذه الأنواع من طناجر البخار وأنت لا تفكر فعلياً ولو لمرة بمبدأ عمل هذه الطنجرة!
ثمة في العالم نوعان من الاختراعات: المفاعلات النووية والطائرات المقاتلة والسيارات وأجهزة الكمبيوتر المتقدمة، .. والنوع الثاني أحذية الكعب العالي وقصاصات الأظافر وعلب "رب البندورة”، ونحن نفهم ونتفهم عدم قدرتنا على النوع الأول، لكن النوع الثاني سهل، ويمكن المساهمة فيه، ولو من باب رفع العتب، أو لنبدو على الأقل كمن يفعل شيئاً في هذا العالَم!
لكننا نواصل دورنا كمستهلكين، والمثير في الأمر ذلك التعالي الذي نتميز به على العالم، بل وعلى الأمم المخترعة، ونرسل نكاتنا الطريفة على طول قامات الصينيين أو شكل عيون اليابانيين بواسطة موبايلات لا نفكر حتى باختراع سلك الشاحن لها، أو الغلاف الجلدي الرخيص الذي لا يحتاج سوى لقطعة جلد وماكينة خياطة!
مئات آلاف يسهرون الآن ويكتبون المعادلات ويرسمون ويخططون للعالم، وكيف يستمر، .. بينما مئات مليارات البشر يشربون قهوتهم في أكواب لم يفكروا في عناء تصميمها!
التنمر على الآسيويين!
أخبار البلد - اخبار البلد-