لا يكفي أننا نتعامل هنا مع فئة غاية في الهشاشة وتحتاج إلى كل دعم لكي تستطيع تجاوز تحديات سيكولوجية وفسيولوجية فرضت عليها، بل نعمد إلى زيادة الضغط النفسي عليها، من خلال كادر يجهل أساسيات التعامل معها، كما يفتقر إلى المقومات الدنيا للحس الإنساني الذي لا بد أن يفرض عليه أن يقف مساندا للضعفاء والهشين.
التحقيق تم تصويره بكاميرا مخفية داخل مستشفى الفحيص، ويظهر تجاوزات من قبل الكوادر الصحية بالتعامل مع النزلاء، كما يبين ما يجري من تجاوزات فيه، خصوصا حالات السحل والضرب وغيرها من طرق الإيذاء الجسدي والنفسي واللفظي، وما اشتمل عليه من شتائم فاحشة بحق النزيلات تم إخفاؤها بواسطة كتم الصوت في الفيديو الذي تم نشره للجمهور.
وزارة الصحة تفاجأت بالحدث، كما بدت تصريحات وزير الصحة د. سعد جابر معبرة بصدق عن الصدمة التي يمكن أن تخلفها مشاهدات بشعة مثل التي رأيناها.
تساؤلات مدير المستشفى د. نائل العدوان عن الجهة أو الشخص الذي يمكن أن يكون صور هذه المشاهد الصادمة لم تكن في مكانها، فمقولة "رحم الله من أهدى إلي عيوبي” ينبغي أن تظل صامدة حين نتصدى للعمل العام، والذي لا بد أن يظل دائما تحت مجهر الرقابة المجتمعية.
مثل هذه المقولة سوف نتجاوزها، خصوصا أن وزير الصحة خطا خطوة إلى الأمام حين أحالت وزارته الفيديو وما جاء فيه إلى لجنة تحقيق، كما تم تحويل الفيديو المصور للنائب العام لاجراء المقتضى القانوني بحق من يثبت أنه صدر عنه أي إساءة للمرضى، وللتحقق إذا كان التصوير يمت للواقع بصلة.
هذا إجراء نتمناه كلنا، خصوصا أننا لا نريد أن يتم ظلم أي شخص في ملف كهذا، والأمر هو أن مثل هذه التجاوزات قد لا تكون حدثت في عهد الوزير الحالي، والمهم جدا أنها قد لا تكون تأسست في عهد الوزارة الحالية، بمعنى أنها تأسست في زمن سابق واستمرت الممارسات حتى اليوم، وهو أمر لا يعفيه تماما من المسؤولية، ولكن يتيح أمامه المجال للتفكير في الكيفية التي من الممكن أن يجتث فيها مثل هذه الممارسات الخطيرة التي تنتقص من أحقية فئة معينة في أن تحظى بالاحترام وبحفظ كرامتها حتى وهي تحت اشتراطات تحد من حركتها ومن الحيز المكاني الذي تدور فيه!
لكن الأخطر من كل ما سلف، هو حساسيتنا للاستجابة إلى حاجة المستضعفين، وكيفية تأمين طرق ناجعة وسريعة لكي يشعروا بأنهم محميون بشكل حقيقي.
في كل مرة يتم الكشف فيها عن تجاوزات بهذا الحجم، نتبين أن ثمة فئات هشة يتم التجاوز على حقوقها، النساء والأطفال وذوي الإعاقة مثلا، وهي فئات تظل عاجزة عن تبين الغبن الذي يمارس بحقها، لذلك فهي في حاجة دائمة إلى مصادر خارجية تتولى مهمة كشف التجاوزات الممارسة في حقها.
إنها فئات هشة وضعيفة، ومن غير الممكن أن تستطيع كشف التجاوزات بحقها، إلا في ما ندر. إنها آلية عمل السلطة المطلقة في مقابل الضعف المطلق، ويمكننا أن نعود إلى تجربة جامعة بريستول في سبعينيات القرن الماضي حين قسمت متطوعين إلى شرطة ومسجونين، لكي نتبين أن سيكولوحيا السلطة يمكن لها أن تكون مدمرة حين تأمن الرقابة والمساءلة.
فيديو مستشفى الفحيص خطير جدا، فنحن لا نعيش في غابة، وعلى كل شخص تجاوز صلاحياته ومهامه الوظيفية أن يحاسب.
يبقى أن نشد على يد كل من أسهم في إخراج هذه الفيديوهات إلى العلن، وأن نشكر الزميلين جلال أبو صالح وأنس ضمرة على جهدهما المميز وعملهما الوطني والإنساني في محاولة إزالة الغبن عن فئة مستضعفة.