قد تتقبل نسبة ليست بسيطة، قرار الحكومة المتضمن إنهاء خدمات كل موظف، يعمل وفق قانون التقاعد المدني، وقد أتم 30 عامًا في الخدمة العامة فأكثر إلى التقاعد.. لكن من الصعب، أو حتى المستحيل، تقبل قرار مجلس الوزراء القاضي بإنهاء خدمات أولئك الموظفين، الذين يعملون وفق قانون الضمان الاجتماعي، ممن مضى على خدمتهم 25 عامًا فأكثر، إلى التقاعد.
مثل هذا القرار الخطير، سيتسبب بتسريح الآلاف من الموظفين، وفق قانون التقاعد المبكر، وبالتالي دفعهم وأسرهم إلى "المجهول”.. فكما هو معلوم أن الشخص الذي يتقاعد حسب هذا القانون، أي "المبكر”، لن يتجاوز راتبه 65 بالمائة من متوسط راتبه الإجمالي لآخر خمسة أعوام.
هل كانت حكومة "النهضة”، تعي أبعاد وسلبيات اتخاذ مثل هذا القرار؟، وخصوصًا أنه يأتي في ظل أوضاع داخلية اقتصادية صعبة، وأخرى خارجية أكثر صعوبة، في ظل إعلان "زميل الشيطان” الرئيس الأميركي دونالد ترامب عما يُعرف بـ”صفقة القرن”.
معلوم للجميع أيضًا، بأن المواطن الأردني، مثقل بديون، نصيب الأسد منها ليست كمالية، فهو يغرق بالديون إما لتعليم ابن أو علاج ابنة، أو تأمين سكن له ولأسرته.. يعني لا نبالغ عندما نقول بأن أكثر من نصف راتب المواطن الأردني، يذهب بدل أقساط شهرية إما إلى بنوك أو مؤسسات وشركات تجارية، فضلًا عما يدفعه كبدل فواتير كهرباء ومياه.
هل تستطيع الحكومة، التي لم تتخذ قرارًا رشيدًا منذ ما يقارب عشرين شهرًا على تشكيلها، أن تجيب "كيف سيستطيع المواطن تأمين حاجياته، عند تطبيق ذلك القرار؟، وبالأخص أنه لن يُسمح له بالعمل، حسب ما ينص عليه قانون الضمان الاجتماعي.
إذا كان الهدف من كل ذلك، كما تدعي الحكومة، هو "ترشيد” جهاز القطاع العام، فلماذا إذًا استثنت موظفي الفئات العليا من هذا القرار، وخاصة بأن رواتبهم مرتفعة.
ليس بهذه الطريقة، يتم خلق قيادات من الصفين الثاني والثالث، كما تصدح ألسنة المسؤولين بذلك، حتى لو يتم من خلال مثل تلك القرارات إيجاد قيادات، فليس من العدل والأخلاق أن يتم الاستغناء عن أناس، القانون كفل لهم الحق في أن يبقوا بالعمل حتى الـ60 عامًا من أعمارهم.
وليس عن طريق هذه القرارات، يتم توظيف الشباب المتعطل عن العمل، فعملية القضاء على البطالة، أو حتى تقليل نسبتها إلى مستويات معقولة، يتم من خلال إنشاء مشاريع تنموية، في مختلف مناطق المملكة.
لن ننكر، أن نسبة كبيرة من موظفي القطاع العام، عبارة عن بطالة مقنعة، والجهاز الإداري مترهل، لا بل قد وصل إلى أعلى مراحل الترهل.. لكن الحل لا يكون بتجويع الآلاف من المواطنين إضافة إلى أسرهم، أو جعلهم عرضة للسجن، جراء ما عليهم من ديون لن يقدروا على سدادها، إذا ما أصرت الحكومة "الرشيدة” على قرارها ذلك.
النقطة الأكثر رعبا، تتمثل بأن يسير القطاع الخاص على خطى القطاع العام، بشأن تسريح الموظفين، حسب التقاعد المبكر.. وهذا ليس ببعيد فبعثة صندوق النقد الدولي، أشارت بوضوح إلى ذلك، خلال زيارتها إلى الأردن مطلع العام الماضي، عندما اجتمعت وقتها مع رجال أعمال أردنيين.
إلى متى سيبقى المواطن الأردني يدفع ثمن "الغباء” الحكومي جراء اتخاذ قرارات عشوائية، بلا فائدة، سوى واحدة تعتبرها الحكومة "إيجابية” بالنسبة لها، والتي تتمثل بسهولة "السطو” على جيب المواطن!.
“التقاعد المبكر”.. الحكومة تمزق جلدها!
أخبار البلد - اخبار البلد-