تشدد كافة قطاعات المجتمع على ضرورة الحفاظ على المال العام جبایةً وانفاقاً وحمایتھ والحرص على تحصیلھ وفقاً
لما تنص علیھ التشریعات وانفاقھ بما یحقق افضل النتائج للاقتصاد الوطني والمجتمع عموماً، وقد تم التطرق سابقاً
للدور الذي یؤدیھ مجلس الامة في ھذا الاطار، وتم التوضیح انھ لا یمكن ان یكتمل ھذا الدور او ان یتفعل بالشكل
الملائم دون دیوان المحاسبة الذي یعتبر الذراع الرقابي لمجلس الامة، وبذلك فان الوظیفة التي یؤدیھا دیوان المحاسبة
.تعتبر ضروریة بكافة المقاییس وحق لنا ان نسمیھ حارس المال العام
تتحدد قوة المؤسسات وقدرتھا على القیام بدورھا بمجموعة من العوامل لعل من أھمھا الاطار التشریعي والكوادر
البشریة التي تؤدي المھام والواجبات المنوطة بالمؤسسة، وھنا لا بد من الاشارة الى ان دیوان المحاسبة یعتبر احد
المؤسسات التي نص علیھا دستور المملكة الاردنیة الھاشمیة منذ ما یقارب سبعین عاماً، وھذا ان دل على شيء فانما
یدل على الوعي المبكر للقیادة والشعب والادراك الكامل لأسس ومكونات بناء الدولة الحدیثة، فقد أكدت المادة 119
من الدستور على أن یتم تشیكل دیوان محاسبة بقانون بھدف مراقبة ایرادات الدولة ونفقاتھا وطرق صرفھا، على أن
یقدم دیوان المحاسبة إلى مجلسي الأعیان والنواب تقریراً عاماً یتضمن المخالفات المرتكبة والمسؤولیة المترتبة علیھا
وآراءه وملاحظاتھ وذلك في بدء كل دورة عادیة أو كلما طلب أحد المجلسین منھ ذلك، كما تم التأكید ایضاً على
ضرورة ان ینص القانون على حصانة رئیس دیوان المحاسبة، وقد حدد القانون الصادر بالاستناد الى الدستور المھام
التي یتولاھا دیوان المحاسبة بحیث تشمل مراقبة ایرادات الدولة ونفقاتھا وحساب الأمانات والسلفات والقروض
والتسویات والمستودعات وكذلك تقدیم المشورة في المجالات المحاسبیة للجھات الخاضعة للرقابة، اضافة الى الرقابة
على الاموال العامة للتاكد من سلامة انفاقھا، ولم یقتصر الامر على ذلك بل تعداه الى تكلیف الدیوان بالتاكد من سلامة
تطبیق التشریعات البیئیة والتثبت من أن القرارات والاجراءات الاداریة تتم وفقاً للتشریعات، بمعنى ان رقابة دیوان
المحاسبة لا تقتصر على الجوانب المالیة فقط بل تشمل ایضاً الجوانب الاداریة والبیئیة، وھذا یؤشر بوضوح الى ان
حجم الجھد المطلوب ضخم وشامل خاصة وان ھذه الرقابة تشمل الوزارات والدوائر الحكومیة والمؤسسات الرسمیة
العامة والمؤسسات العامة والمجالس البلدیة ومجالس الخدمات المشتركة، والشركات التي تملك الحكومة 50 %من
أسھمھا أو اكثر اضافة الى أي جھة أخرى یقرر مجلس الوزراء تكلیف دیوان المحاسبة بتدقیق حساباتھا في حال كانت
.اموال ھذه الجھة تاخذ حكم الاموال العامة او ان جبایتھا تمت بموجب احكام القانون
وقد أوكل القانون لدیوان المحاسبة عدداً من المسؤولیات الرقابیة المتعلقة بجانب الایرادات تتلخص في التدقیق على
تحققات الضرائب والرسوم المختلفة والتأكد انھا تمت وفقا للتشریعات وفي اوقاتھا المحددة،وكذلك التدقیق في بیوعات
الاراضي الامیریة وتفویضھا وتأجیرھا، اضافة الى التأكد من ان اجراءات الاعفاء تمت وفقاً للقوانین أما فیما یتعلق
بالنفقات فیقوم الدیوان بالتدقیق في النفقات للتأكد من ان صرفھا تم وفقاً للقانون وان النفقات قیدت في الفصول والمواد
المخصصة لھا،وكذلك التأكد من صحة تنفیذ احكام قانون الموازنة وغیرھا، ومن المؤكد ان حجم المھام المنوطة
بدیوان المحاسبة، والذي یعتبر مؤسسة ذات استقلال مالي واداري، والعدد الكبیر للمؤسسات التي یطلب منھ تدقیقھا
لیس التحدي الوحید أمام الدیوان، فھناك ایضاً الحاجة لكفاءات متخصصة في مختلف المجالات ومدى تعاون الجھات
والادارات ذات العلاقة والدعم الذي توفره الدولة على مختلف المستویات، وأحد التفاصیل التي لا بد من الاشارة لھ
موضوع التقدم التكنولوجي وتوجھ العدید من الدوائر لاستخدام الحاسوب في عملیاتھا المالیة والاداریة والاعتماد
بشكل متزاید على البرامج المحوسبة مثل نظام ادارة المعلومات المالیة الحكومیة وغیره فقد اصبحث التكنولوجیا
الحدیثة وسیلة لیس فقط لا یمكن الاستغناء عنھا وانما ایضاً اداة تطویر وابداع، وھذا الامر یرتب مسؤولیات على
العاملین في المیدان لمواكبة ھذه التغیرات والاستفادة منھا في تحدیث اسالیب العمل، اضافة الى توفیر الاجھزة
والبرمجیات الملائمة، كما لا بد من الاشارة ایضاً الى ان تشكیل لجان التحقیق في المخالفات المالیة لیست من
صلاحیات الدیوان بل تتم بالتعاون مع جھات اخرى وخاصة وزارة المالیة،كما انھ وفي حال ظھور خلاف حول
.موضوع ما بین الدیوان وجھة حكومیة فان مرجعیة حل الخلاف ھي مجلس الوزراء
وفي سیاق التطور المستمر الذي تشھده المملكة لا بد من الاشارة الى مجموعة من الحقائق التي ساھمت خلال
السنوات الاخیرة في تحسین وتطویر رقابة دیوان المحاسبة خاصة في ظل التعدیلات التي تمت على القانون الذي
ینظم اعمال الدیوان، فقد توسع النطاق الرقابي للدیوان لیشمل معظم مؤسسات الدولة، وفي حین كان یقتصر الدیوان
سابقاً على تقدیم تقریر سنوي أصبح الان یقدم تقاریر دوریة لمجلس الامة كل أربعة شھور وھذا یفعل عملیة الرقابة
ویتیح اتخاذ الاجراءات التصحیحیة في الاوقات المناسبة، كما ان قیام دیوان المحاسبة بنشر تقریره السنوي في وسائل
الاعلام شكل خطوة ھامة واساسیة في تعزیز الشفافیة وزیادة الثقة لدى المواطن بجھود الجھات الرقابیة، أضف لذلك
فان تعزیز استقلالیة دیوان المحاسبة ممثلاً برئیسھ، ومنحھ صلاحیة التدقیق المسبق في حال راى ذلك ضروریا دون
اشتراط موافقة رئاسة الوزراء كل ھذا من العوامل التي تساھم في تطویر وتعزیز العمل الرقابي للدیوان، وفي نفس
الاطار لا بد ایضاً من الاشارة الى تزاید الاھتمام بتقاریر الدیوان ومخرجاتھ الرقابیة المختلفة، فعلى سبیل المثال قبل
عدة سنوات كان یتم عرض تقاریر دیوان المحاسبة لعدة سنوات على مجلس الامة فمثلاً تقاریر دیوان المحاسبة
للاعوام 2000 -2006 تم مناقشتھا عام 2008 ،ولم تكن تلق الاھتمام اللازم،بعكس ما نراه حالیاً،كما أن الحكومة
ومن باب الحرص على تصویب الملاحظات الرقابیة قامت اواخر العام الماضي بتشكیل فریق یضم ممثلین عن عدد
من الوزارات والمؤسسات للعمل على المراجعة والمتابعة مع الجھات ذات العلاقة لضمان وضع الامور في نصابھا
وبتوقیت ملائم، وبحیث یتم متابعة واستدعاء الجھات المعنیة كل أربعة شھور لاستیضاح فیما اذا تم التصویب ام لا،
واتخاذ الاجراء الفوري بطلب التصویب او الاحالة الى القضاء اذا كان ھناك تجاوزات على المال العام او شبھات
فساد، ولعل ھذه الاجراءات على بساطتھا تشكل فارقاً یمنح تقاریر دیوان المحاسبة اھمیة تتجلى من خلال متابعتھا
وعدم الاكتفاء بالاطلاع علیھا، وھذه خطوة مھمة یمكن ان یتم تعزیزھا بخطوات لاحقة لاثبات الجدیة في الحفاظ على
المال العام والتأكید على الالتزام بالتشریعات وتطمین المواطنین بان الجھات والمؤسسات الرقابیة تقوم بدورھا على
.أكمل وجھ
یقوم دیوان المحاسبة بعملیة التدقیق اللاحق، الا انھ یقوم بالتدقیق المسبق في البلدیات، ولا شك بان عملیة التدقیق
اللاحق ھي الانسب شریطة توفر المقومات الاساسیة والتي من اھمھا ان تكون الكوادر العاملة في مجال الادارة المالیة
على مستوى معقول من الكفاءة اضافة لتوفر اجراءات عمل صحیحة ودقیقة والاھم من ذلك نظام فعال للرقابة
الداخلیة، ولدى تتبع المخالفات والتجاوزات في تقاریر دیوان المحاسبة للاعوام 2016-2018 یتضح ان أغلبھا موجود
في البلدیات وأمانة عمان، ومن غیر الواضح فیما اذا كان السبب في ذلك یعود للتدقیق المسبق لدیوان المحاسبة على
.البلدیات ام كفاءة الموظفین أم ان الاجراءات والاطر التي تحكم اعمال البلدیات بحاجة لمراجعة
تطویر العمل وتحدیث سیاساتھ واسالیبھ وادواتھ مھمة اساسیة لمختلف الدوائر والمؤسسات فمن لا یتجدد یتبدد، وھي
مھمة تحظى بأھمیة أكبر في حالة دیوان المحاسبة، فالتدریب المستمر للعاملین في الدیوان وتزویدھم بأحدث المھارات
والقدرات الفنیة ومواكبتھم لكل الابتكارات والتطورات التكنولوجیة والعلمیة والعملیة ضروریة لتمكینھم لیس فقط من
القیام بواجباتھم على أكمل وجھ بل ایضاً وللحیلولة دون وقوع المخالفات، فمن یتولى الرقابة یجب ان یكون دائماً
متقدماً بخطوة لكي لا یقع في الاخطا، بما في ذلك تلك التي قد تؤدي لاعاقة العمل في الدوائر والمؤسسات ذات
العلاقة، وایضاً لكي لا ینشغل بالصغائر،مع عدم اھمالھا،عن الامور الاساسیة التي تستوجب الیقظة المستمرة، ولعلھ
من المھم الالتفات الى ان منع وقوع الاخطاء أو تكرارھا لا یقل اھمیة عن اكتشافھا، ومن ھنا لا بد ان یولى الدور
الاستشاري لدیوان المحاسبة أھمیة خاصة من حیث مراجعة الاجراءات ومدى توافقھا مع الانظمة والقوانین وقدرة
الكوادر العاملة في المجال المالي على القیام بمتطلبات العمل، والمقصود ھنا تفعیل دور دیوان المحاسبة فیما یتعلق
بالجانب الاداري الذي یضمن القیام بالواجبات والمھام المطلوبة بكفاءة وفاعلیة وبما یتفق مع التشریعات،وھذا الجانب
لا زال بحاجة لبذل عنایة أكبر، فدور القرارات الاداریة الجیدة والمنسجمة مع روح القانون لا تقل اھمیة عن القرارات
.المالیة في الحفاظ على المال العام ومنع الھدر وضمان الاستخدام الاكفأ للموارد
وكما ان دیوان المحاسبة یساھم بشكل فعال في الحفاظ على المال العام والتأكد من الالتزام بالاتظمة والتشریعات، فمن
واجبھ على مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الاعلام ان تقدم لھ كل الدعم والمساندة خاصة مع قیامھ بنشر تقاریره
السنویة على الملأ، وھذا التعاون یعزز الشفافیة والحوكمة الرشیدة ویشكل خطوة مھمة في تمكین المجتمع واتاحة
المجال لھ للمشاركة في مكافحة الظواھر الشاذة مثل الفساد والرشوة والمحسوبیة، كما ان الحكومة مطالبة ایضاً ان توضح للمواطنین ما اتخذتھ من اجراءات لتصویب الملاحظات والمخالفات الواردة في تقاریر الدیوان، ومثل ھذا
الاجراء سیعزز الثقة بالحكومة ویساعد في تأكید مصداقیتھا وجدیتھا في تصویب الاوضاع، وفي نفس الوقت یشكل
قدوة للدوائر والمؤسسات بضرورة الالتزام بما نصت علیھ التشریعات لتقدیم كل التسھیلات للدیوان وتمكینھ من اداء
مھامھ، ومثل ھذه الخطوة قد تتیح ایضاً مساءلة غیر الملتزمین باداء مھامھم ومحاسبتھم عل التقصیر في اداء الواجبات
.سواء ما یتعلق منھا بالجانب الرقابي او الجوانب الاخرى
سیبقى موضوع الرقابة المالیة أحد أھم الھواجس لدى المواطنین، فمن یدفع الضریبة، بغض النظر عن نوعھا، یرغب
دائماً في التأكد بان العدالة متحققة عبر ھذه الضریبة وان ما دفعھ من أموال سیعود بالنفع علیھ وعلى المجتمع ككل
ولن یكون وسیلة للاثراء غیر المشروع او مدخلا لتجاوز القانون، لذلك فتعزیز الرقابة مسؤولیة مشتركة بین سائر
اجھزة الدولة، واذا كان دیوان المحاسبة یقوم بدور الرقابة الخارجیة اللاحقة، في معظم الحالات، لا بد ان تقوم
الوزارات والمؤسسات والدوائر بالدور المطلوب منھا فیما یتعلق بالرقابة، وھذا یحتاج لتفصیلات یمكن التطرق لھا
لاحقاً، ومن المھم ان تدرك مختلف الجھات ان منظومة الرقابة المالیة لا یمكن ان تكون فاعلة مالم یكن ھناك تعاون
وتعاضد بین اجھزة الدولة المختلفة، فدیوان المحاسبة وتقاریره التي اصبحت ربعیة تحتاج لجھد أكبر وتعاون أشد
فعالیة من جھة اعضاء مجلس الامة، والدیوان ایضاً بحاجة لتوثیق علاقتھ مع ھیئة النزاھة ومكافحة الفساد ومع
الجھات الرقابیة داخل المؤسسات سواء كانت رقابة داخلیة او رقابة وزارة المالیة، والتأكید على ھذا التعاون والتعاضد
انما یھدف في النھایة الى توفیر الظروف والامكانیات والمتطلبات اللازمة لتحقیق العدالة والكفاءة والشفافیة في ادارة
المال العام، وھذا بدوره ینعكس على واقع المناخ الاستثماري وعلى جودة وكلفة الخدمات المقدمة للمواطن، مما
سیعزز الرغبة لدى المواطنین في دعم جھود الحكومة ومؤسساتھا الھادفة الى تحفیز النمو والنھوض بالاقتصاد
.الوطني وتعزیز الحاكمیة الرشیدة وقیم النزاھة والعدالة والمساءلة