في التاسع والعشرين من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1947، أوصت الأمانة العامة للأمم المتحدة بأن يجري تقسيم فلسطين- التي كانت تحت الانتداب البريطاني منذ عام 1922 - إلى دولتين جديدتين مستقلتين هما: دولة عربية ودولة يهودية، واستمر الجدل حول تقسيم الأرض.
وبعيداً عن هذا السياق قامت الوكالة اليهودية بخطوة استباقية، قد يمكن تفهمها، ومن جانب واحد، بالإعلان عن قيام دولة اسرائيل.
تمت الموافقة على إعلان الدولة هذا فورا من جانب الرئيس هنري ترومان، كما لاقى -هذا الإعلان- قبولا في الأمم المتحدة بعد سنة من إصداره. لقد مثل إعلان الدولة اليهودية بداية للحروب العربية - الإسرائيلية، حيث عبَرَت خمسٌ من الجيوش العربية حدود فلسطين التي كانت تحت الانتداب البريطاني سابقا.
ظل شبح القرار الذي صدر قبل أربع وستين عاما مضت يطاردنا. كما فشلت مفاوضات السلام التي استمرت لعقدين من الزمان.
وفي عام 1993، عندما رسمت اتفاقات أوسلو إطار مفاوضات التسوية للحل الذي يتضمن إقامة الدولتين، كان عدد المستوطنين الإسرائيليين الذين يعيشون في الضفة الغربية أكثر من 100 ألف مستوطن بقليل. أما اليوم، فإن عددهم يزيد على 300 ألف مستوطن.
كما يعيش أكثر من نصف مليون مستوطن الآن "متجاوزين الخط الأخضر" الذي يمثل المنطقة المخصصة لإقامة الدولة الفلسطينية مستقبلا.
ويوجد "حاجز أمني محصن" بنفس الوقت، يحيط بهذه المستوطنات، يعمل على تقسيم الضفة الغريبة لأربعة مناطق غير متصلة؛ الأمر الذي يجعل من إقامة دولة فلسطينية متاخمة ذات سيادة أمرا مستحيلا من الناحية النظرية. وفي هذا السياق فإنه يستحيل علينا أن نبدي إعجابنا بديموقراطية تختبئ وراء الجدران.
في الوقت الذي تتقدم فيه فلسطين بطلب رسمي للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة، والاعتراف بها كدولة فيها، يمكن أن نستقي أربعة من الدروس المستفادة من هذا الطلب.
الأول، وهو درسٌ بسيط، يفيد بأن معدل عمليات ضم الأراضي إلى المستوطنات على أرض الواقع يجعل من الحل الذي يتضمن إقامة الدولتين أمرا مستحيلا. إن التوسع في إقامة المستوطنات يزيد من تفوق أحد الطرفين، بنفس الوقت الذي يتم فيه تجريد الطرف الآخر من ملكيته.
ثانيا، لقد أصبح من الصعب بمكان التصديق بأن الولايات المتحدة الأمريكية قادرة على مواصلة التفاوض السلمي بين الطرفين. ففي بداية هذا العام، استخدمت الإدارة الأمريكية حق النقض الفيتو ضد قرار يدين ذات المستوطنات، التي كان قد أدانها الرئيس الأمريكي باراك أوباما بنفسه سابقا واعتبرها غير مقبولة. علما بأن الرئيس أوباما، وخلال الاجتماع الذي جرى العام الماضي للهيئة العامة للأمم المتحدة، كان قد طلب من الهيئة صياغة اتفاقية يمكن من خلالها أن نرى "قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة تتعايش بسلام مع إسرائيل."
لكن الولايات المتحدة الأمريكية أوضحت بأنها ستستخدم حق النقض الفيتو من خلال مجلس الأمن لإيقاف انضمام الفلسطينيين للأمم المتحدة كعضو يتمتع بحق التصويت الكامل.
كما رفضت الولايات المتحدة الأمريكية المشاركة بتصويت رمزي للهيئة العامة للأمم المتحدة من شأنه تغيير وضع الفلسطينيين من "عضو مراقب لا يملك حق التصويت" إلى دولة مراقِبة لا تملك حق التصويت".
إن تسمية "الدولة المراقبة" لن تجعل من فلسطين عضوا كاملا في الأمم المتحدة، لكنها سترسي حجر الأساس نحو ذلك، وتسمح للفلسطينيين بحضور المداولات في الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية. فلماذا يشكل ذلك تهديدا كبيرا؟ إن المحادثات المباشرة بين الأطراف غير المتساوية محكوم عليها بالفشل دائما. لذا لا بد لسلسلة الخنوع من أن تتوقف.
بالنسبة لمتفرج ينظر للموقف من الداخل، بما في ذلك نحن الأصدقاء المقربون لأمريكا، فإن الفصل بين الخطاب والفعل يمكن أن يعني شيئا واحد فقط هو: أنه لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية لضمان حقوق فلسطين بنفس القدر من الاجتهاد الذي تكرسه لضمان حقوق إسرائيل،إضافة لكونها تفتقر للإقناع جوهريا ومعنويا باعتبارها شريكا نزيها ومحايدا في عملية السلام.
الأمر الذي يقودنا للنقطة الثالثة: ما هي القيمة التي يمثلها حق تقرير المصير للشعوب في حال كون الحق أمرا يُوهب دون أن يُكتسب؟ إذ لا بد أن "يُمنح" الفلسطينيون استقلالهم وحريتهم، بينما لا يحق لهم أن "يغنموه". فقد قيل لنا، إن ذلك سيعتبر إجراء "فرديا"، رغم حقيقة أن طلب العضوية يرمي للحصول على الاعتراف من المؤسسة التي تُعد في طليعة المؤسسات الدولية. وباعتباري مواطناً، فإن الحرية لم تمنح لي من جانب الدولة، فهي حقي الإنساني الذي لا يمكن المساس به؛ وينطبق هذا على الناس في إسرائيل، كما ينطبق على الفلسطينيين.
نحن نتحدث عن "مفهوم الدولة" لكن ما نعنيه في الجوهر هو أبعد من ذلك بكثير. إن مفهوم الوطن ينبني على جذور تاريخية، وعلى الذاكرة والعائلة. إنه امر ينبغى على الشعب الإسرائيلي، دون كافة الشعوب، أن يفهمه، حيث ينص الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 على ما يلي: "بعد أن تم إبعاد الشعب قسرا من أرضهم، ظلوا يؤمنون بها بالرغم من اليأس، ولم ينفكوا عن الدعاء والأمل بالعودة لأرضهم واستعادتها، أو الحصول على حريتهم السياسية."
رابعا وأخير، لا بد لنا أن نتذكر أنه مهما يحدث في الأمم المتحدة، فإن الأراضي المحتلة تظل محتلة، وأن بناء المستوطنات سيستمر، ويبقى تحقيق السلام أمرا غير مؤكد، ويبقى وضع مدينة القدس قيد النظر.
وبالنظر إلى هذا الوضع، فهل يعتبر الحصول على مقعد في الأمم المتحدة مسألة ذات قيمة؟