كثیرون انطلت علیھم ما ضخمتھ وسائل الإعلام اللبنانیة عن الاحتجاجات التي عصفت بلبنان منذ شھرین، وصدّقوا أو
ُ تجاھلوا أن الشعارات التي رفعھا الم ّ حتجون حول الدولة المدنیّة وإلغاء الطائفیة السیاسیة بجعل لبنان دائرة انتخابیة
واحدة, لا تكفي ولیس لھا رصید أو قوى ضغط كافیة, لثني التحالف الراسخ بین قوى السلطة الثلاث, وھم رجال الدین
ِ وطبقة الرأسمال والمصار ّ ف, وأمراء الحرب الأھلیة الذین استمروا.. قادة أحزاب وورثة إقطاعیات, بعد
أولاً ودائماً
ِ أن أھلكوا البلاد والع ّ باد ودمروا أسباب الحیاة في بلاد الأرز, وصولاً الى مشھد جدید وصل ذروتھ في اتفاق الطائف
(1989 ,(والذي أفقدَ ُ ه معناه, صعود «الشیخ» رفیق الحریري مجسداً الحریریة السیاسیة والاقتصادیة, ما أوصل لبنان
ِ المدیونیة التي تقف على تخوم الـ«90 «ملیار دولار
.إلى حال الفقر والخراب, وخصوصاً
ِ على الحراك الذي بدأ على نحو نبیل وجارف كشف ضمن أمور أخرى مدى تھتك واھتراء
ورغم مرور 55 یوماً
البنى التحتیة والاجتماعیة وسقوط شرائح عدیدة تحت خط الفقر, وانكشاف التواطؤ بین بعض قادة الأحزاب وأمراء
ُ الحرب السابقین وأصحاب المصارف, وما س َّم ُ ي منظمات المجتمع المدني المَّمولة من السفارات ومراكز ووزارات
أجنبیة أوروبیة وخصوصا أمیركیة، فإن ما كشفَتھ الساعات الأخیرة قد أعاد الأمور إلى نقطة البدایة, وإن أضاء على
مدى التبعیة المشینة التي ھم علیھا رجال الدین, والذین یتلقّون التمویل/ الرشى من الطبقة السیاسیة الفاسدة, التي
أوصلت البلاد إلى ما ھي علیھ من احتقان وتوترات اجتماعیة ونزیف اقتصادي والاحتمالات المفتوحة للتحول الى
دولة مفلسة وفاشلة، رغم كل ما یتم تضخیمھ حول مؤتمر باریس «الطارئ» الذي دعت إلیھ الأم الحنون فرنسا یوم
ٍغد ُ الأربعاء والذي بدا سعد الحریري وكأنھ عِقد من أجلھ بزعم أن للرجل علاقات إقلیمیة ودولیة واسعة ومؤثرة لا
.یملكھا غیره
َ ة اللبنانیة) الم ّ شھد, وتقمصھا دوراً سیاسیّاً ّ أكدَ ُ الم ّؤكد أنھا
أسوأ ما حدث الأحد الماضي, ھو تصدّ ُ ر دار الإفتاء (السنیّ
ُم ّجرد أداة في خدمة الحریریة السیاسیّة, عندما أعلنَ ْت ّ في شكل استفزازي أن مرشحھا «الوحید» ھو سعد الحریري,
ُ في اختزال بل احتقار لكل أبناء الطائفة السنیّة, التي لا یُعقَل أنھا تلتقي على «زعیم» واحد, ما بالك أن مرشحھا
. ِ «الوحید» ھو جزء أساس من الطبقة السیاس َ یة التي أفقر ّ ت لبنان وقو َضت اقتصاده وانھكتھ بالدیون والفساد والزبائنیّة
ھنا أیضاً یحضر متروبولیت بیروت للروم الارثوذكس إلیاس عودة الذي, اتّخذ من الكنیسة منبراً للتصویت على حزب
ُ الله وسلاحھ, م ِّحملاً إیاه وأمینھ العام مسؤولیة ما یحدث في لبنان, في تأكید على أن «رجال الدین» باتوا كما ھم على
ٍ الدوام في خدمة الساسة وخضوع لأوامرھم وتماه مع مصالحھم الشخصیة, التي لا تلتقي كما اثبتت یومیات
ِ الاحتجاجات المتواصلة فصولاً مع مطالب الشعب اللبناني الاجتماعیة والاقتصادیة وخصوصاً المدنیّة والسیاسیّة, التي
ُ عنوانھا الم َ واطنة المتساویة وإلغاء الطائفیة السیاسیّ َ ة, والدیمقراطیة الحقیقیة ولیس دیمقراطیة أمراء الحرب و«رجال
. ُ الدین» وح ِ كم المصارف
لبنان: «حُلُم» الدولَة المَدنِيّة.. و«لَعنَة» الطوائِف وزَعاماتِها
أخبار البلد - اخبار البلد-