أخبار البلد - اعترافات العم ابو خلدون..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
اعترافات العم (ابو خلدون) جميلة, ويمكن ان نستلهم منها الماضي الجميل بكل تفاصيله, والحاضر المأساوي بكل عناصره, ..عاش ابو خلدون في الماضي البعيد في احد مخيمات اطراف العاصمة عمان, ودارت الايام كما صدحت وغنّت لنا (ام كلثوم) واصبح من سكان عمان الغربية! والشيء الذي يستحق منا الوقوف عنده ما قاله ابو خلدون واعتقد جازما انه كان صادقا فيما قاله, ..ابو خلدون قبل ايام كان احد رواد (الجمعة البيضاء), اوالجمعة السوداء (البلاك فرايدي) كما يسمونها في الغرب,..خرج ابو خلدون وهنا بيت القصيد كما يقال, خرج من اكبر واضخم (مول) في عمان الغربية يُقلّبُ كفّيه ويهز رأسه يمينا ويسارا, مستذكرا (جمعة البالة) في المخيم الذي كان يسكنه في مطلع الستينات والسبعينات.
يقول الراوي, والرواية على ذمة الراوي, يقول خرج ابو خلدون مذعورا يُقلّبُ كفّيه, ويحدث من حوله بأعلى صوته قائلا: (كنت اشتري من جمعة البالة في المخيم جرزايتي الصوف لتي نُسجت في بيت درج في المانيا، ولفحتي المحبوكة من ايادي مساجين الصين الشعبية، وحذائي القادمة من محلات التصفية الأوروبية والتي كانت لسائق قطار، وجاكيتي الذي ادى فيه احد وزراء فرنسا في الستينات قسمه الدستوري, وجراباتي التي كانت برجل موظف حكومي امريكي قبل عقود، وبنطالي الذي كان لساعي في لندن..., كل ذلك جاء الى بلادنا ضمن بقج كبيرة على سوق البالة)،..ابو خلدون وعلى عجالة قارن كل ذلك بماركات وموديلات وموجودات الجمعة البيضاء في احد مولات عمان الغربية, وما ادراكم ما عمان الغربية.
(ابو خلدون) اعترف وهذه بطولة في ساحة النكران, اعترف انه من الذين لبسوا لسنوات طويلة احذية وقمصان وبناطيل وجاكيتات وجرازاي تصفيات بالة اوروبا الشرقية يوما من الايام, لكن هناك الآلاف من (الخلدونيين) لم يعترفوا كيف كانوا وكيف اصبحوا, وهناك الآلاف من (الخلدونيين) من الذين غيروا لهجاتهم وقلبوا القاف الى همزة, وكأني بهم يقولوا ورئة بدلا من ورقة, وئلم بدلا من قلم, وئلب بدلا من قلب..., ونسوا بابور الكاز ابو شحبار الذي فقد احد رجليه, ونملية الفئران المتجولة ليلا, ومخدة الطاؤؤس المملوءة بجرابات البالة, ونسوا رواية ابو رجل مسلوخة, وقنديل نسخ درس اللغة العربية ذو الشعلة المرتجفة, ونسوا المعارك التي كانت تدور رحاها في البيوت الفقيرة حول التعريفة والقرطة.
اذا قلّبت وجوه رواد (الجمعة البيضاء), اوالجمعة السوداء (البلاك فرايدي) كما يسمونها في الغرب, ستجد ان هؤلاء بالضبط هم الطبقة الاجتماعية التي انتقلت من الطبقة الفقيرة الى الطبقة الغنية بقدرة قادر! وهذه الطبقة مقلدة للطبقة العليا في المجتمع تقليدا اعمى, واصابها ما اصاب (طائر الغراب) الذي قلّد مشية الحمامة, حيث كان هناك غراب قد شاهد حمامة تمشي، فأعجبته مشيتها لما فيها من ملكية طبيعية، ففكر بنفسه وقارن بينه وبينها ووجدها تتميز عنه بالكثير، فحاول أن يقلّد مشيتها.. تدرب وتدرب وحاول كثيراً أن يتقنها ولم يستطع، فشل فشلاً ذريعاً ثم أنه عندما يئس أراد العودة لمشيته القديمة، فأكتشف أنه نسيها أيضاً, لقد فقد هويته بالكام للآسف الشديد، فلا عاد غرابا ولا صار حمامة.
هكذا كل من ترك أصله مبهورا ببريق ليس له، كن أنت نفسك ولا تكن غيرك...