وجبات الاخبار التي تصلنا يوميا من وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لا تختلف عن تلك الوجبات التي تقدمها المطاعم لزبائنها، نحن مع هذه العروض التي تداهمنا تحت الحاح الحاجة او الفضول مستهلكون بامتياز، اما القائمون على هذه « المطابخ « فبعضهم لديه الخبرة والمهارة لاغرائنا وفتح شهيتنا، ثم اشباع نهمنا بما « لذّ وطاب» من المأكولات الغذائية والاخبارية، فيما بعضهم لديه من الكذب والحمق ما يكفي لكي يبعث فينا الغثيان و القرف ( آسف لاستخدام الكلمة) بمجرد ان نشم رائحة ما يقدم على الاطباق.
كما نحتاج الى دليل شخصي لتصنيف المطاعم، تبعا للجودة والخدمة والنظافة والاسعار، نحتاج ايضا الى دليل لتصنيف مصادر الاخبار على مسطرة الصدقية والدقة والمهنية والموضوعية والنظافة ايضا، لكن المشكلة ان معظم هذه الاخبار - على خلاف المطاعم - ليس لها عناوين معروفة، فهي في الغالب مجهولة المصدر، ومرسلوها مجرد اشباح يظهرون ثم يختفون، وهي اشبه ما تكون «بالاطفال» غير معروفي النسب، او بالجثث التي تعثر عليها فرق الانقاذ تحت ابنية احترقت بالكامل، وقد تشوهت ملامحها لدرجة يصعب معها معرفة اصحابها بسهولة.
ما علينا، المهم ان نعرف مسألتين : الاولى انه يوجد في تلك المطابخ من يحدد لنا كل يوم من الوجبات الاخبارية ما يعتقد انه يلبي رغباتنا او ما نستحق ان نعرفه، وربما ما يشبعنا ايضا، انه هنا « يتفنن « في صناعتها واضافة كل ما يلزم من «مشهيات» عليها لاثارة انتباهنا، او استفزاز حواسنا، او اقناعنا بانه يقدم لنا ما نحتاجه على طبق من الحقيقة.
اما المسألة الثانية فهي ان هذا القائم على «الاتصال» يتعامل معنا «كزبائن» ومستهلكين فقط، يرانا نجلس على شرفة «الفرجة» بعيون وآذان مفتوحة على ما نتلقاه دون تفكير، فتحركنا الكلمة والصورة والصوت دون ان نسأل عما وراءها، او ندقق في سياقاتها، او نبحث عن مصادرها، نحن دائما - في نظره - نأكل الوجبة الجاهزة التي يختارها لنا لاننا جائعون لمعرفة اي شيء، وجاهزون لابتلاع اي شي، او مستنزفون ومتعبون من كل شيء، فيتطوع - مشكورا - باعطائنا قسطا من الراحة.
لدينا، بالطبع، مؤسسات لضمان سلامة وجودة الغذاء والدواء، واخرى لحماية المستهلكين، وثالثة لتحديد المواصفات والمقاييس من اجل حماية صحة المواطن وحقوقه، لكن لا يوجد لدينا - نحن مستهلكي الاخبار من وسائل الاعلام ومنصات التواصل - مؤسسات مثلها فاعلة لحماية عقولنا واذواقنا من الوجبات الفاسدة، او من المعلومات التي لا تتطابق مع المواصفات المهنية، او من الصور التي تخدش حياءنا العام، او من «الرصاصات « الاخبارية التي تتشكل على هيئة «افتراءات» او ابتزاز او اشاعات قاتلة.
ما دام ان موازين الاخبار تعتمد في الغالب على السبق والاثارة، وتقيس بمكاييل التجارة والسياسة، وقلما تعترف «بالقيمة» والمبدأ، فان اقامة موازين العقل والضمير هي الوصفة الوحيدة التي نمتلكها للتعامل مع هذه الصناعة الثقيلة التي فرضت علينا بقوة العصر، وحولتنا الى اتباع مخلصين « للاباطرة الجدد» الذين اصبحوا يتحكمون بنا، ويسيطرون على عقولنا وحواسنا، ويدخلون غرفنا بلا استئذان.
كما نحتاج الى دليل شخصي لتصنيف المطاعم، تبعا للجودة والخدمة والنظافة والاسعار، نحتاج ايضا الى دليل لتصنيف مصادر الاخبار على مسطرة الصدقية والدقة والمهنية والموضوعية والنظافة ايضا، لكن المشكلة ان معظم هذه الاخبار - على خلاف المطاعم - ليس لها عناوين معروفة، فهي في الغالب مجهولة المصدر، ومرسلوها مجرد اشباح يظهرون ثم يختفون، وهي اشبه ما تكون «بالاطفال» غير معروفي النسب، او بالجثث التي تعثر عليها فرق الانقاذ تحت ابنية احترقت بالكامل، وقد تشوهت ملامحها لدرجة يصعب معها معرفة اصحابها بسهولة.
ما علينا، المهم ان نعرف مسألتين : الاولى انه يوجد في تلك المطابخ من يحدد لنا كل يوم من الوجبات الاخبارية ما يعتقد انه يلبي رغباتنا او ما نستحق ان نعرفه، وربما ما يشبعنا ايضا، انه هنا « يتفنن « في صناعتها واضافة كل ما يلزم من «مشهيات» عليها لاثارة انتباهنا، او استفزاز حواسنا، او اقناعنا بانه يقدم لنا ما نحتاجه على طبق من الحقيقة.
اما المسألة الثانية فهي ان هذا القائم على «الاتصال» يتعامل معنا «كزبائن» ومستهلكين فقط، يرانا نجلس على شرفة «الفرجة» بعيون وآذان مفتوحة على ما نتلقاه دون تفكير، فتحركنا الكلمة والصورة والصوت دون ان نسأل عما وراءها، او ندقق في سياقاتها، او نبحث عن مصادرها، نحن دائما - في نظره - نأكل الوجبة الجاهزة التي يختارها لنا لاننا جائعون لمعرفة اي شيء، وجاهزون لابتلاع اي شي، او مستنزفون ومتعبون من كل شيء، فيتطوع - مشكورا - باعطائنا قسطا من الراحة.
لدينا، بالطبع، مؤسسات لضمان سلامة وجودة الغذاء والدواء، واخرى لحماية المستهلكين، وثالثة لتحديد المواصفات والمقاييس من اجل حماية صحة المواطن وحقوقه، لكن لا يوجد لدينا - نحن مستهلكي الاخبار من وسائل الاعلام ومنصات التواصل - مؤسسات مثلها فاعلة لحماية عقولنا واذواقنا من الوجبات الفاسدة، او من المعلومات التي لا تتطابق مع المواصفات المهنية، او من الصور التي تخدش حياءنا العام، او من «الرصاصات « الاخبارية التي تتشكل على هيئة «افتراءات» او ابتزاز او اشاعات قاتلة.
ما دام ان موازين الاخبار تعتمد في الغالب على السبق والاثارة، وتقيس بمكاييل التجارة والسياسة، وقلما تعترف «بالقيمة» والمبدأ، فان اقامة موازين العقل والضمير هي الوصفة الوحيدة التي نمتلكها للتعامل مع هذه الصناعة الثقيلة التي فرضت علينا بقوة العصر، وحولتنا الى اتباع مخلصين « للاباطرة الجدد» الذين اصبحوا يتحكمون بنا، ويسيطرون على عقولنا وحواسنا، ويدخلون غرفنا بلا استئذان.