أثار التصريح المنسوب لوزير النقل الحالي موجة من الاستهجان عندما عزا أسباب الأزمة الخانقة التي تعيشها العاصمة عمان للزيادة المتسارعة في السكان بحيث لم تعد الشوارع والطرقات قادرة على استيعاب المركبات خاصة في ظل الأعمال الإنشائية لمشروع الباص السريع الذي ساهم في هذه الاختناقات المرورية وإعاقة حركة الناس.
بمعزل عن منطلقات ومبررات الهجوم والتندر على تصريح الوزير، فإن السؤال لا يبدو مشروعاً فقط بل ملحاً فيما إذا ما تزال عاصمة البلاد قادرة على استيعاب مزيد من السكان والمشاريع، إذ يبلغ سكان محافظة عمان حسب آخر إحصاء وطني أربعة ملايين نسمة أي نحو 40 % من سكان المملكة الذي تجاوز عشرة ملايين وهذا الرقم في تزايد مستمر لأن الهجرة للعاصمة من المحافظات بحثاً عن فرص العمل مستمرة نتيجة غياب التنمية المحلية، فالكل يعتقد أن الأمل والخلاص في عمان التي نجح سوء التخطيط العابر للحكومات في تحويلها للمدينة الدولة بدلاً من أن تكون كل محافظة في الأردن قادرة أن تحافظ على قاطنيها وتوفر لهم فرص عمل مناسبة وتعليم وصحة مقبولين والأهم إمكانية وجود بنية تحتية من طرق وخدمات تجذب الاستثمار وتساهم في برامج التنمية.
يعود اختيار عمان عاصمة للإمارة إلى ما قبل 98 عاماً لأسباب عديدة ولكن أهمها أنها محطة رئيسة على الخط الحديدي الحجازي ولوجود مصادر مائية كسيل عمان الذي يخترقها ومناطق زراعية خصبة ولقربها من تجمعات سكنية في السلط ومأدبا وجرش والرصيفة ووجود بيئة تجارية حديثة أسسها التجار القادمون من دمشق ونابلس وازدهار الزراعة التي انتشرت على جانبي السيل خاصة من المهاجرين الشراكسة، كانت عمان مدينة عمرانية صغيرة محاطة بسياج اخضر ومصدرا رئيسا للغذاء ولكن التطورات أدت لتوسع عمان فابتلعت معظم البلدات المحيطة بها لتصبح جزءاً منها ولتتراجع الرقعة الزراعية لحساب الكتل الإسمنتية.
تاريخياً دفعت عمان ثمناً للاضطراب السياسي في المنطقة منذ معركة ميسلون وبدء الهجرات لعمان ثم نكبة 1948 ونكسة حزيران 1967 واحتلال العراق العام 2003 وأخيراً الأزمة السورية 2011، فاستوعبت العدد الأكبر من اللاجئين لتتغير المدينة شكلاً وثقافة. وإذا ما استمر تجاهل هذا الواقع الجديد في عمان فإن ما يجري هو تراكم الأزمة لتغدو بعد فترة مستعصيةً على الحل.
منذ العام 2003 دعا خبراء في التنمية والعمران إلى ضرورة التفكير الجدي في إيجاد خيار بديل للعاصمة الحالية يتعامل مع مشكلة الزيادة السكانية والاعتداء على الأراضي الزراعية وغياب مخطط شمولي لعمان مما يستدعي مناقشة وجود عاصمة جديدة او التوسع باتجاه الشرق أو الجنوب في المناطق ذات التضاريس السهلة غير الجبلية. ولكن الأمر لم يلق أي اهتمام يذكر من الحكومات المتعاقبة الى أن أعلنت حكومة الدكتور هاني الملقي في 26/10/2017 نيتها عن إنشاء مدينة جديدة تكون بمثابة عاصمة إدارية قادرة على التعامل مع تحديات الزيادة السكنية والمواصلات وتقديم خدمات بشكل نوعي وبأحدث الطرق والمواصفات العالمية تقام على أراض مملوكة للدولة وبالشراكة مع القطاع الخاص، ويبدو أن هذا التوجه كان بمثابة الحلم والمشروع الاستراتيجي الذي سعى رئيس الحكومة لإنجازه في عهده. ولكن الأحداث تسارعت فرحل الرئيس وحكومته على وقع أحداث "الرابع” في رمضان 2018.
حكومة الدكتور عمر الرزاز لم تتأخر في الإعلان وعلى لسان وزير الدولة للإعلام السابق في 1/5/2019 بأنه لا وجود في الأصل لمشروع لعاصمة جديدة وأن هناك فقط تحسينا للخدمات والمواصلات ولا نعرف إذا كان هذا القرار ناتجاً عن دراسة حقيقية أو في إطار المناكفة بين الحكومات في الأردن.
في ضوء هذه الزيادة السكانية المتسارعة والمؤشرات بتضاعف عدد السكان خلال السنوات العشر القادمة لا يمكن التعامل مع قضية بهذا الحجم بمنطق التسكين والترحيل وبإمكان الحكومة الحالية تشكيل لجنة من الخبراء في التخطيط العمراني تقوم بإجراء دراسة شاملة وبمنهجية علمية بدلاً من الاستسلام أمام تحد قادم لا محالة.
هل نحتاج عاصمة جديدة؟!
أخبار البلد - اخبار البلد-