لا أقصد الطبقة الوسطى بمفھومھا المتعارف علیھ اجتماعیاً واقتصادیاً. فھذه لم تعد خاضعة للتساؤل، وھناك قناعة
تصل حد الإجماع على أنھا تضاءلت إلى الدرجة التي تكاد لم تعد موجودة إطلاقاً. وأنھا تراجعت لصالح طبقتین،
.أكثرھا اتساعا الطبقة الفقیرة، وأقلھا الطبقة الغنیة
فالتطورات السیاسیة والاقتصادیة المتراكمة منذ عقود، والإجراءات غیر المحسوبة للحكومات المتعاقبة، والتي كانت
في الكثیر منھا أشبھ بسباق لكسب رضى البنك والصندوق الدولیین، وتطبیقا مباشرا یبتعد عن أي اجتھاد أو أیة
.قراءات معمقة، أفضت إلى تراجع الطبقة الوسطى إلى مستوى التلاشي
والدلیل على ذلك ما وصلت إلیھ الأمور من تراجع لإیرادات الدولة بالتوازي مع رفع الضرائب تنفیذا لواحدة من
.الوصفات ضمن السلسلة المعھودة التي استمر تطبیقھا عدة سنوات
فقد كان لتدخل جلالة الملك الأثر الكبیر في ثني الحكومة عن السیر في نفس النھج والنظر إلى واقع الحال لدى
المواطن خصوصا، والاقتصاد الوطني بشكل عام. وبالتالي إصدار وجبتین من الإجراءات الھادفة إلى التحفیز
.الاقتصادي. والإصلاح الإداري. ووعود بمواصلة إطلاق المزید من الإجراءات
ما أقصده بسؤالي عن الطبقة الوسطى، ھو فئة السیاسیین المعتدلین، الذین یتعاملون مع الواقع كما ھو، ولا یبالغون في
.«وصفھ، طبقا لمصالحھم الشخصیة «مدحا او قدحا
فالمدقق في تفاصیل المشھد یتوقف عند فئتین من الناس، أولاھما تبالغ في تعظیم الصورة و«زخم الإنجاز»، وبما
یكشف عن محاولات للتقرب أشبھ ما تكون «تملقا»، ومحاولة لاقتناص فرصة للقفز سیاسیا أو وظیفیا إلى مراكز
متقدمة، في ضوء غیاب الضوابط التي تحكم عملیات إشغال المواقع المتقدمة في الدولة، وتعمد الحكومات المتعاقبة
.إلى تجاوز الأسس التي تكون قد وضعت والتي یفترض أن تطبق احتراما للعدالة
والثانیة تبالغ في الـ «قدح» إما لكونھا فقدت الأمل في الحصول على ما تعتقد أنھا فرصتھا المشروعة في التنافس على
.«تلك المواقع، أو تطبیقا للمقولة الشائعة بأن «من یشاغب یتم استرضاؤه
.
فالطبقة الوسطى ھنا تلاشت إلى حد كبیر جداً، وانقسم المعنیون إلى «مدّاحین وقدّاحین»، وبشكل یكاد یكون مكشوفاً
والنماذج على ذلك كثیرة جداً، ومن السھل رصدھا، إما من خلال كتابات ھنا أو ھناك، وعلى مواقع التواصل
الاجتماعي، أو من خلال محاضرات ورسائل، وتسخیر مواقع الأصل فیھا أنھا لخدمة الناس وحوائجھم والتعبیر عن
.مطالبھم ومعاناتھم، ولیست أدوات للتطبیل والتزمیر لھذا المسؤول الحكومي أو ذاك
من ھنا، وبنفس المستوى الذي یتم التشدید على وضع الخطط لإعادة الألق إلى الطبقة الوسطى بمفھومھا الدارج ـ
اجتماعیا واقتصادیا ـ لا بد أن تتخذ الإجراءات لرد الاعتبار للطبقة الوسطى سیاسیا، وبحیث یتم تجفیف مصادر تزاید
الغلو عند ھذه الطبقة بصیغتھا الحالیة، لما تشكلھ من أخطار على البنیة السیاسیة والاجتماعیة والاقتصادیة للدولة. ذلك
.أن المبالغة في المدح، یكون ضررھا مشابھا من حیث النتائج للمبالغة في القدح.
الطبقة الوسطى.. إلى أين ؟
أخبار البلد - اخبار البلد-