لم يكن مفاجئاً حصول موجة الاحتجاجات التي تجتاح إيران والتي امتدت لتشمل معظم المدن نتيجة رفع أسعار البنزين بشكل كبير وتعاظم أثر العقوبات الاقتصادية بما فيه وقف تصدير النفط والتي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية منذ أن قرر الرئيس دونالد ترامب في الثامن من أيار/2018 الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع مع إيران العام 2015، فالإدارة الأميركية ترى أن انهيار الوضع الاقتصادي وانعكاسه المباشر على المواطنين سيؤدي لتفاقم الغضب والنقمة الشعبية على السلطات الإيرانية مما يهيئ الظروف الداخلية لحصول انفجار اجتماعي يؤدي لسقوط النظام دون الحاجة لعمل عسكري مباشر وهو ما يتوافق مع استراتيجية ترامب بعدم الانخراط بعمليات عسكرية مباشرة.
القرار الذي أعلنته السلطات الإيرانية الجمعة 15/11/2019 برفع أسعار البنزين بنسبة 300 % وقع كالصاعقة على المواطنين المنهكين أصلاً نتيجة الارتفاع الكبير في تكاليف الحياة وارتفاع نسبة التضخم 50 % وارتفاع معدلات البطالة وفقدان الريال 64 % من قيمته امام الدولار وتراجع الاقتصاد لدرجة فاقت توقعات صندوق النقد الدولي بحيث أصبح العام 2019 هو الأسوأ منذ العام 1984 أثناء الحرب مع العراق.
الرئيس الإيراني روحاني مهد للقرار بنفسه قبل أيام عندما أعلن أن الحصار والعقوبات أدى لتوقف صادرات النفط الإيرانية لتصبح 150 ألف برميل شهريا، بينما كانت قبل العقوبات مليونين ونصف المليون برميل يوميا مما يعني خسارة ستين مليار دولار سنوياً أي 60 % من مصادر تمويل الموازنة العامة، وبالتالي لا بد من خلق بدائل لتغطية جزء من العجز لتتمكن الدولة من عبور الأزمة التي تهدد النظام بأكمله.
الاحتجاجات الأخيرة هي الأعنف منذ آخر احتجاجات واجهت السلطات الإيرانية بتاريخ 28/12/2017 والتي اتخذت شعار "لا للغلاء” ثم تطورت لترفع شعارات مثل "انسحبوا من سورية وفكروا بنا”، و” لا للبنان لا لغزة نعم لإيران”، وتمكنت السلطات من إجهاضها وتراجعت عن التوجه برفع أسعار المحروقات وبعض المواد الأساسية.
المفارقة هنا هو في اختيار السلطات التوقيت في اللجوء لقرارات صعبة قادرة على تحريك الشارع الإيراني باتجاه الفلتان وعدم الانضباط والفوضى وهي تعلم أن السيناريو الأميركي في التعاطي مع الملف الإيراني يعتمد بالدرجة الأساسية على إثارة العامل الداخلي المهيأ بشكل عام نتيجة ظروفه القاسية ويساعده وجود بيئة إقليمية ملتهبة سواء في العراق حيث يواجه حلفاء إيران موجة غير مسبوقة من المظاهرات والاحتجاجات التي بدأت قبل خمسن يوماً وبعد ذلك في لبنان الذي يعتبر أحد مناطق النفوذ الإيراني وإن كان بدرجة أقل من العراق، فهل ما جرى من سوء تقدير وعدم إدراك للعواقب أو أنه ضمن سياق التعاطي مع الأزمة المفتوحة مع الولايات المتحدة الأميركية؟
الإجابة على هذا التناقض يكمن في أن صعوبة الظروف الاقتصادية التي خلقها الحصار والعقوبات فرضت نفسها بالضرورة على الحكم في طهران ولكن بنفس الوقت فإن الخيارات الاستباقية في التعاطي مع شارع داخلي يتوقع منه الانفجار في أي لحظة نتيجة تفاقم معاناته الاقتصادية ربما تكون خياراً وارداً بقوة باعتبارها طوق النجاة مرحلياً وبالتالي يمكن أن يتم تحريك الشارع بحيث تكون السلطات قادرة على المبادرة وإجهاض أي تحرك أوسع وأضخم يمكن أن يفاجئها وربما يؤثر على مستقبل الدولة ككل.
إذا اعتمدنا على سجل السلطات الإيرانية في التعاطي مع الحركات الاحتجاجية فربما يتم استيعاب ما يجري وإن كانت الخسائر كبيرة، لكن هذا لا ينفي احتمالية حدوث تغيير كبير في إيران وهذا متروك لتطورات المشهد في الأيام القادمة.
هل ثمة احتمالية لتغيير كبير في إيران؟
أخبار البلد - اخبار البلد-