لم أسمع أن الدولة الأردنية قد استنفرت بعد إعلان التقرير السنوي الخامس عشر للمركز الوطني لحقوق الانسان، ولم يتناهَ إلى مسامعي أن الحكومة قد تداعت لاجتماع طارئ لتدارس هذا التقرير الذي اعترف وبلا لبس ان حالة حقوق الإنسان في البلاد تراجعت، وأن الإصلاح السياسي قد مني بانتكاسة.
لم ألحظ اهتماما حكوميا أو رسميا بقضية على درجة عالية من الاهتمام، ولا أدري إن كان مجلس أمناء المركز الوطني وإدارته قد تواصلت معهم الجهات صاحبة القرار.
المؤسف والمؤلم أنه بعد أيام ليست كثيرة على إطلاق التقرير يدشن نشطاء وحقوقيون هاشتاغ "بكفي اعتقالات” احتجاجاً على استمرار توقيف أردنيين على خلفية قضايا متعلقة بحرية التعبير والتجمع السلمي، والفاجعة الأكبر تعرض سيدة في جرش لجريمة وحشية تمثلت باقتلاع عينيها، في مؤشر على ضعف وهشاشة منظومة الحماية من العنف للمرأة.
لا أعرف إن كان رئيس الحكومة د. عمر الرزاز قد قرأ التقرير أو اطلع عليه، ولا أفهم أي نهضة تدعو لها الحكومة وحالة حقوق الإنسان تتعرض لضربات متتالية، ولا أعرف حقيقة ماذا سيفعل الرئيس، وكيف سيتصرف وهو الذي يدرك أكثر من غيره ماذا تعني انتهاكات حقوق الانسان، فقد اكتوى بنارها والده المناضل منيف الرزاز قبل عقود خارج البلاد، وتركت وجعاً وألماً في ذاكرة الرئيس.
لا تستطيع الحكومة وأجهزة الدولة ان تتنصل من التقرير، أو التشكيك بصدقيته، أو الادعاء أن أجندة خارجية تقف خلفه، فالمركز مؤسسة وطنية أنشأته الدولة لمتابعة وحماية حقوق الإنسان.
الملخص التنفيذي للتقرير لعام 2018 يكثف مشهد حالة حقوق الانسان، ويرصد بالتفاصيل الانتهاكات الواقعة على كافة الحقوق الانسانية، وهو بذلك يعد وثيقة حقوقية مرجعية تستقي معلوماتها في الغالب من الجهات الرسمية، ويمكن البناء عليها لفهم سياق واقع حقوق الانسان، وما تشهده من متغيرات.
يقر التقرير أن الاردن يشهد ظروفاً صعبة ودقيقة لم يشهد مثلها منذ تأسيس الدولة قبل قرابة قرن من الزمان، مؤكداً أن ذلك يؤثر في المزاج الوطني، وحالة حقوق الإنسان.
تفصّل مقدمة التقرير في الحديث عن اعتماد المقاربة الأمنية على حساب الإدارة السياسة، وتوسع دور جهاز الامن العام تحت مقولات ليست مبررة دائما من قبيل استعادة ” هيبة الدولة "، وحماية أمن المجتمع، مشيراً الى أن ذلك أدى الى رفع الصوت ضد ما وصف بعودة العقلية العرفية.
ويعرض التقرير الى أن المقاربة الامنية والتوسع بدورها تسببت في ارتكاب انتهاكات مثل طول مدة التوقيف، وعدم الالتزام بمعايير المحاكمة العادلة وضمانات المحتجزين، والتعسف باستخدام السلطة، لا سيما في اجراءات التوقيف الإداري غير القانوني.
يرى المركز الوطني لحقوق الانسان أن الأردن وصل لحالة من الإخفاق السياسي، وأن حقوق الإنسان تنتظر انطلاقة فعلية، وأن التراجع والتضييق على الحريات العامة بلغ مرحلة حرجة، وتعمقت الفجوة بين المواطنين والدولة، وجرى "شيطنة” الحراك الشعبي.
قائمة الانتهاكات التي رصدها التقرير واسعة ولا يمكن سردها، غير أن التدقيق ببعض الأرقام يشير الى أن الازمة متنامية ومستمرة، فمنذ سنوات تحذر مؤسسات المجتمع المدني من تداعيات قانون منع الجرائم، وعدم دستوريته وتغوله على صلاحيات القضاء، والارقام في التقرير تظهر توقيف 37684 بالاستناد لهذا القانون، ورغم ذلك لا تبالي الحكومات بهذه الاصوات الناقدة.
نفس الازمة تتجلى في استخدام قانون الجرائم الالكترونية للتضييق على حرية التعبير، فقد أظهرت الأرقام بالتقرير إقامة 1821 دعوى اعتماداً على المادة 11 تسببت في توقيف 161 شخصاً، هذا عدا عن استخدام قانون العقوبات لمزيد من القيود.
بالتأكيد الحالة الأردنية أفضل من غيرها في المحيط العربي، وليست كلها سوداوية، وفي الصورة جوانب مشرقة يمكن الحديث عنها، ولكن واجب الدولة حماية الحقوق وصيانتها وليس تقديم مبررات للانتهاكات، ووجود المركز الوطني لحقوق الانسان مهم، واصداره للتقرير السنوي ضرورة، والأهم أن تحترم الحكومة دوره وتقاريره وتنفذ توصياته، وإلا فالأفضل إغلاقه بدل التغني والتباهي بوجوده.
انتكاسة حقوق الإنسان في تقرير “المركز الوطني”
أخبار البلد - اخبار البلد-