أخبار البلد -
يبدو أن الحوار الجاري بين الحركتين الأكبر في الجسد الفلسطيني يكاد يكون أشبه بحوار الطرشان ، والذي بقي سائداً على مدى الإثني عشر عاماً المنصرمة ، وما يزال قائماً حتى اللحظة رغم ما يصدر هنا وهناك عن قرب التوافق بينهما ، وهذا فرض واقعاً لا تواصل فيه بين شطري الوطن الفلسطيني ، فالعدو المستفيد من هكذا حال حيث مكنه ذلك من العبث بأمن واستقرار كل منهما في أماكن تواجده وفق الصورة التي تخدم مصالحة على المستويات كافة ، المحلية منها والإقليمية والدولية ، وهو يكسب معركته التي يخوضها ضد كل ما هو فلسطيني على نار هادئة ، وما زال كل منهما متمسكاً بالشطر الذي يهيمن عليه ويترك الحبل على غاربه للمحتل الصهيوني للتمادي في تسلطه على الأرض ونهبها وإرهاب السكان في فلسطين الحبيبة.. فاستمرار الوضع على حاله وما لم تكن هناك نوايا صادقة بين الفريقين للم الشمل الفلسطيني المشتت وصولاً للحل الأمثل لشفاء الجسد الفلسطيني من آفة الانقسام ، سيبقى الوضع على حاله دون توافق أو حل .. فيكفي أنه منذ العام 2007 وحتى الآن انعقدت حوارات بوساطات عربية باسثناء اتفاق الشاطئ أدت لاتفاقات ظلت حبراً على ورق أولاها اتفاق مكة في عام 2007 برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وثانيها الورقة المصرية عام 2009 وثالثها اتفاق القاهرة 2011 برعاية مصرية ورابعها اتفاق الدوحة 2012 برعاية أمير قطر آنذاك الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وخامسها اتفاق الشاطئ 2014 في قطاع غزة وسادسها اتفاق القاهرة 2017 برعاية مصرية ، وما زالت هناك جهود تبذل لرأب الصدع الحاصل بين الطرفين ، لكن أرى أن الأمور تزداد تعقيداً وتشدداً كلما ابتعد الزمن بالقطيعة وكأنها ستثبت على أمر واقع ، فأصبح كلا الفريقين كالمنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع.. ولا أعلم متى ستشرع سفينة الإنقاذ الوطني الفلسطيني تبحر نبذاً للانقسام الذي لا يتولد عنه سوى الفساد والانقياد الأعمى لإرادة العدو .. فلا وجود لسلطة تدير شؤون البلد ما دام أن كافة سلطاتها متعطلة من رئاسية إلى قضائية ، تنفيذية و تشريعية رقابية على كامل الوطن بفعل هذا الانقسام.
كل المؤشرات توحي بأن هناك نقاط التقاء واختلاف بين الحركتين ، لكن نقاط الاختلاف تطغى على نقاط الاتفاق فمعالم الخلاف بينهما بعضها ذا شأن تاريخي وبعضها الآخر أفرزتها حالة الإنقسام والاختلاف في الرؤى حول قضايا الصراع .. فما أفرزته نقاط الاختلاف في الرؤى يمكن حصره بالبرنامج السياسي فأحدهما يرى أن الحل السياسي السلمي والمفاوضات مع الحكومة العبرية هي السبيل الوحيد لإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 ، فيما يرى الآخر أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين ، والاستعداد في الشراكة السياسية ، لكن الشعار المطروح شيء والواقع المعاش شيء آخر ، فهناك تعامل مع واقع الاحتلال من قبل الفريقين وما يجري في العملية السياسية هو ذات النهج الذي كرسته تفاهمات أوسلو أي أن كلا الفريقين يلتقيان في ذات النهج وإن اختلف الأسلوب وهما يكملان بعضهما بعضاً ، وبالنسبة لما خلفته حالة الانقسام حول إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية ، هذا يجري التوافق عليه بين جميع مكونات الشعب الفلسطيني من فصائل ومستقلين كونها الممثل الشرعي لكل الشعب الفلسطيني وليس لفصيل معين ، وكذا الحال بالنسبة لسلاح الفصائل الذي لا بد أن يكون موجهاً للاحتلال ومقاومته تتم بكل السبل المتاحة حتى دحر هذا الاحتلال ، وهي أمور يمكن الفصل فيها من خلال مجلس وطني منتخب لا من خلال فرضه من طرف على آخر ، وهذا ينطبق على الموظفين العاملين في كل من الضفة والقطاع ، المجلس الوطني هو صاحب الشأن فيها أو المجلس التشريعي المنتخب من قبل الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع .. والمعابر لا يجب أن يكون للاحتلال له شأن فيها ولا بد من صدور قانون تنظيمي فلسطيني بشأنها لتكون السيادة فيها ليس للاحتلال حتى لا تستمر المخاطر على حركة تنقل المواطنين الفلسطينيين من خلالها ، وفي حال الفصل فيما سلف من خلال المجلس الوطني والمجلس التشريعي في مختلف القضايا الخلافية وحسمها ، تتمكن عندها الحكومة الفلسطينية من ممارسة مهامها على مختلف مساحة الوطن الفلسطيني في الضفة والقطاع.
أما استمرار المناكفات والحرب الإعلامية فلن تزيد الأمور إلا توتراً وتشرذماً وتعقيداً ويبقى يصب في مصلحة العدو الصهيوني الذي يرفض الالتقاء الفلسطيني وتوحده ، ويدعمه في ذلك الولايات المتحدة التي عاقبت الشعب الفلسطيني على خياراته في الانتخابات التي جرت بديمقراطية يشهد لها القاصي والداني وأولهم جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق الذي أشاد بنزاهتها.
abuzaher_2006@yahoo.com