غدر الأمريكيون بأكراد سوريا، وتجاوبوا مع المطالبات التركية الذين قاموا باقتحام مناطق شمال شرق سوريا بهدفين معلنين وهما التخلص من قوات سوريا الديمقراطية قسد التي تصنفها تركيا ارهابية، وإنشاء منطقة آمنه لإيواء اللاجئين السوريين حسب التصريحات التركية. حظيت العملية التي أطلق عليها نبع السلام بردود فعل دولية قوية، والتي كانت رافضة بشكل عام لهذا التحرك. وهو ما يشكل التحدي الأكبر أمام تركيا من حيث قدرتها على تسويغ العملية والاستمرار فيها، والقدرة على التعامل مع الضغوطات الدولية التي تشكل تحدياً سياسياً ودبلوماسياً جديداً لها. ويجد المتابعون صعوبة حقيقية في قراءة المشهد وتحديد معالم الصورة الحقيقية لمجريات الاحداث الأخيرة
عقد ترامب تفاهماً هاتفياً مع شريكه التركي، بسحب القوات الأمريكية الداعمة لقسد في شمال شرق سوريا وفتح الطريق على الأراضي السورية أمام القوات التركية. ولكن في نفس الوقت هدد ترامب بردة فعل مختلفة إذا تجاوزت تركيا الحدود ، دون الحصول على توصيف واضح لهذه الحدود. ومن المرجح أن ترامب أعطى الضوء الأخضر لمسافات محدودة في العمق السوري والتي ربما لا تتجاوز العشر كيلومترات، ولكن اردوغان استغل الموقف وحولها إلى عملية عسكرية أكبر وأوسع مما تم التفاهم عليه وابتعدت تماماً عن الحدود التي رسمها الطرفان. وهذا ما خلق نوعاً من الارتباك في حديث ترامب وتبريراته لهذه العملية. تكمن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بمد يد التعاون مع الأتراك حليفهم الاقتصادي والتجاري القوي والشريك في حلف شمال الأطلسي، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لن تضع قوات سوريا الديمقراطية في نفس الميزان السياسي والاقتصادي مع تركيا. كما أنه حقق نصراً داخلياً عن طريق الدفاع عن المصالح الأمريكية الاقتصادية والعسكرية بالقول بأن هذا يكلف الولايات المتحدة الكثير من الأموال وبأنه لن يعود بأي فائدة على الأمريكيين، ولم يتوجه ترامب بهذا الخطاب إلى السياسيين الأمريكيين، وإنما كان يثبت قدرته على الإيفاء بوعوده الانتخابية، ويغازل في كلماته هذه الناخب الأمريكي الذي يمثل هدفاً مهماً له في الأشهر المقبلة. كما أن العامل الداخلي الأمريكي لعب دوراً في قرار ترامب، فالمشهد السياسي العاصف في واشنطن والضربات التي يتلقاها ترامب، والتي ربما تصل إلى عزله عن منصب الرئاسة تحتاج إلى مهدئات خارجية وصرف نظر الإعلام الأمريكي قليلاً عن الفضائح الرئاسية، فتحول ملف الانسحاب الأمريكي من سوريا والاتفاقيات مع اردوغان وتحويل الحليف الكردي إلى كبش الفداء أفضل المهدئات الخارجية
وبنظرة سريعة على العملية العسكرية التركية، نجد أن الهجوم سيكون على جبهة واسعة جداً وستتوغل القوات التركية بطول 480 كم وبعمق 30 إلى 40 كم، فتوزيع الأهداف من محيط عين العرب كوباني وحتى ملتقى الحدود التركية- السورية-العراقية، ومروراً طبعاً بتل أبيض يؤكد لنا أن اردوغان يسعى للحصول على منطقته الجغرافية التي حددها سابقاً وتم رفضها. ولكن ماذا بعد السيطرة على هذا الحزام الجغرافي؟ العملية التركية الحقيقية ليست نبع السلام ، وإنما هي لحظة التقاء الجماعات الإرهابية التي التفت حول اردوغان وأطلق عليها اسم الجيش الوطني بمقاتلي الدولة الإسلامية بعد تسريب عناصره من السجون وهو ما سيحدث خلال أيام قليلة، بالإضافة إلى إحياء الخلايا النائمة وعودة جميع هؤلاء إلى الساحة القتالية من نقطة ادلب، ولهذا اردوغان يصر على خريطة محددة تتيح له الالتفاف لمرة أخرى. ولابد من التأكيد هنا على العلاقة التي ربطت بين تركيا والمنظمات الإرهابية التي انتشرت في سوريا والعراق، حيث تحولت المدن التركية إلى مراكز لوجستية للمقاتلين الإرهابيين ولاسيما في عام 2013. وإذا ما نجح اردوغان بهذا السيناريو سيتحول إلى اللاعب الأقوى في الأزمة السورية. الهدف الثاني للأتراك هو القضاء تماماً على قوات سوريا الديمقراطية وإيقاف أي تمدد لحزب العمال الكردستاني عن طريق نشوء هكذا جيوش في المنطقة تأخذ الطابع الكردي. كما أن هذه العملية الوحيدة التي اجتمع واتفق عليها جميع المكونات التركية المعارضة والمؤيدة لاردوغان، وهو ما سيحقق انتصاراً سياسياً داخلياً له ويعيده الى اللعبة الانتخابية بقوة
أما الهدف البعيد المدى، فهو خلق حزام أمني مدني وتغيير التركيبة السكانية للمنطقة على الحدود السورية- التركية ضمن توزيع ديموغرافي معين على أساس ديني وعرقي وطائفي على حساب الوجود الكردي عن طريق إسكان عدد من اللاجئين السوريين العرب السنة والمناصرين للدولة التركية، واستخدامها كورقة مستقبلية عندما يعلن اردوغان نفسه كمحتل لهذه الأراضي ويتذرع برغبة أهلها أن يكونوا جزءاً من الدولة التركية وليس السورية أمام المجتمع الدولي
هكذا بنت هذه الأطراف المحتلة طموحها.. وهكذا رسمت آمالها.. على أرض ليست لها.. وبدماء الشعب السوري الذي عانى ما عانى لمدة ثمان سنوات، وعلى الرغم من بشاعة هذا العدوان المستعر على سوريا وتكالب الدول لمحاربتها ومحاصرتها، فلا بد لنا من الوقوف أمام المرآة ومحاسبة النفس. ولابد لقوات سوريا الديمقراطية في هذه الظروف أن تراجع سياستها السابقة اتجاه الولايات المتحدة قبل أن يصنعوا منهم كبش فداء حقيقي، المعركة طويلة وقاسية، وهناك في دمشق قلب أم نابض يستوعب الجميع ويحفظ العهود، فهل من عودة حقيقية وصادقة إلى الوطن الأم سوريا؟
باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية
عقد ترامب تفاهماً هاتفياً مع شريكه التركي، بسحب القوات الأمريكية الداعمة لقسد في شمال شرق سوريا وفتح الطريق على الأراضي السورية أمام القوات التركية. ولكن في نفس الوقت هدد ترامب بردة فعل مختلفة إذا تجاوزت تركيا الحدود ، دون الحصول على توصيف واضح لهذه الحدود. ومن المرجح أن ترامب أعطى الضوء الأخضر لمسافات محدودة في العمق السوري والتي ربما لا تتجاوز العشر كيلومترات، ولكن اردوغان استغل الموقف وحولها إلى عملية عسكرية أكبر وأوسع مما تم التفاهم عليه وابتعدت تماماً عن الحدود التي رسمها الطرفان. وهذا ما خلق نوعاً من الارتباك في حديث ترامب وتبريراته لهذه العملية. تكمن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية بمد يد التعاون مع الأتراك حليفهم الاقتصادي والتجاري القوي والشريك في حلف شمال الأطلسي، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لن تضع قوات سوريا الديمقراطية في نفس الميزان السياسي والاقتصادي مع تركيا. كما أنه حقق نصراً داخلياً عن طريق الدفاع عن المصالح الأمريكية الاقتصادية والعسكرية بالقول بأن هذا يكلف الولايات المتحدة الكثير من الأموال وبأنه لن يعود بأي فائدة على الأمريكيين، ولم يتوجه ترامب بهذا الخطاب إلى السياسيين الأمريكيين، وإنما كان يثبت قدرته على الإيفاء بوعوده الانتخابية، ويغازل في كلماته هذه الناخب الأمريكي الذي يمثل هدفاً مهماً له في الأشهر المقبلة. كما أن العامل الداخلي الأمريكي لعب دوراً في قرار ترامب، فالمشهد السياسي العاصف في واشنطن والضربات التي يتلقاها ترامب، والتي ربما تصل إلى عزله عن منصب الرئاسة تحتاج إلى مهدئات خارجية وصرف نظر الإعلام الأمريكي قليلاً عن الفضائح الرئاسية، فتحول ملف الانسحاب الأمريكي من سوريا والاتفاقيات مع اردوغان وتحويل الحليف الكردي إلى كبش الفداء أفضل المهدئات الخارجية
وبنظرة سريعة على العملية العسكرية التركية، نجد أن الهجوم سيكون على جبهة واسعة جداً وستتوغل القوات التركية بطول 480 كم وبعمق 30 إلى 40 كم، فتوزيع الأهداف من محيط عين العرب كوباني وحتى ملتقى الحدود التركية- السورية-العراقية، ومروراً طبعاً بتل أبيض يؤكد لنا أن اردوغان يسعى للحصول على منطقته الجغرافية التي حددها سابقاً وتم رفضها. ولكن ماذا بعد السيطرة على هذا الحزام الجغرافي؟ العملية التركية الحقيقية ليست نبع السلام ، وإنما هي لحظة التقاء الجماعات الإرهابية التي التفت حول اردوغان وأطلق عليها اسم الجيش الوطني بمقاتلي الدولة الإسلامية بعد تسريب عناصره من السجون وهو ما سيحدث خلال أيام قليلة، بالإضافة إلى إحياء الخلايا النائمة وعودة جميع هؤلاء إلى الساحة القتالية من نقطة ادلب، ولهذا اردوغان يصر على خريطة محددة تتيح له الالتفاف لمرة أخرى. ولابد من التأكيد هنا على العلاقة التي ربطت بين تركيا والمنظمات الإرهابية التي انتشرت في سوريا والعراق، حيث تحولت المدن التركية إلى مراكز لوجستية للمقاتلين الإرهابيين ولاسيما في عام 2013. وإذا ما نجح اردوغان بهذا السيناريو سيتحول إلى اللاعب الأقوى في الأزمة السورية. الهدف الثاني للأتراك هو القضاء تماماً على قوات سوريا الديمقراطية وإيقاف أي تمدد لحزب العمال الكردستاني عن طريق نشوء هكذا جيوش في المنطقة تأخذ الطابع الكردي. كما أن هذه العملية الوحيدة التي اجتمع واتفق عليها جميع المكونات التركية المعارضة والمؤيدة لاردوغان، وهو ما سيحقق انتصاراً سياسياً داخلياً له ويعيده الى اللعبة الانتخابية بقوة
أما الهدف البعيد المدى، فهو خلق حزام أمني مدني وتغيير التركيبة السكانية للمنطقة على الحدود السورية- التركية ضمن توزيع ديموغرافي معين على أساس ديني وعرقي وطائفي على حساب الوجود الكردي عن طريق إسكان عدد من اللاجئين السوريين العرب السنة والمناصرين للدولة التركية، واستخدامها كورقة مستقبلية عندما يعلن اردوغان نفسه كمحتل لهذه الأراضي ويتذرع برغبة أهلها أن يكونوا جزءاً من الدولة التركية وليس السورية أمام المجتمع الدولي
هكذا بنت هذه الأطراف المحتلة طموحها.. وهكذا رسمت آمالها.. على أرض ليست لها.. وبدماء الشعب السوري الذي عانى ما عانى لمدة ثمان سنوات، وعلى الرغم من بشاعة هذا العدوان المستعر على سوريا وتكالب الدول لمحاربتها ومحاصرتها، فلا بد لنا من الوقوف أمام المرآة ومحاسبة النفس. ولابد لقوات سوريا الديمقراطية في هذه الظروف أن تراجع سياستها السابقة اتجاه الولايات المتحدة قبل أن يصنعوا منهم كبش فداء حقيقي، المعركة طويلة وقاسية، وهناك في دمشق قلب أم نابض يستوعب الجميع ويحفظ العهود، فهل من عودة حقيقية وصادقة إلى الوطن الأم سوريا؟
باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية