ظاهرة الصالونات السياسية ليست جديدة في الأردن بل قديمة؛ وهي جزء من الفلكلور السياسي تاريخيا، نتيجة غياب الحياة الحزبية التي تعطلت فترة طويلة من الزمن لأسباب عديدة، منها ما هو مرتبط بالتحديات الإقليمية وما هو داخلي فرضه الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، والصدام لاحقا مع الفصائل الفلسطينية التي تحركت داخليا كواجهة لأحزاب قومية ويسارية تتناقض مع الدولة الأردنية.
هذا الفراغ فرض حضور وتصدر نمط جديد من الحياة السياسية يملأ الساحة الخالية من القوى التي تحمل مشروعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فمثلا تشكلت حالة سياسية منذ الستينيات في القرن الماضي يقودها الشهيد وصفي التل، مقابل المرحوم بهجت التلهوني، وكانت عنوانا لصراع سياسي خفي ولكن مضبوط الإيقاع ونجح في تقديم نخب سياسية وازنة.
ولاحقا تنامت بشكل كبير ثنائية الرفاعي بدران التي استمرت تتصارع بشكل مستتر وامتد صراعها لمؤسسات الدولة المختلفة، وانحازت فيه احيانا مؤسسات سيادية لأي من الطرفين، والحقيقة أن الأردن وبعد أكثر من ثلاثين عاما ما يزال يعاني من إفرازات تلك الثنائية، ذلك أن جزءا كبيرا من مريدي المدرستين تسلموا مواقع صنع القرار، سواء رؤساء للحكومة ووزراء أو مسؤولين كبارا، بالإضافة لمجلس الأعيان.
منذ تسلم الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية بدا أن له موقفا ناقدا ومستنكرا للصالونات السياسية، واعتبرها معاول هدم هدفها الاساسي الوصول لمواقع السلطة التنفيذية لذلك يرى جلالته في أحاديث صحفية كثيرة أن هذه الصالونات وقادتها هم من يقفون وراء الكثير من الإشاعات والتشكيك.
والواقع أن هذا ما يحصل فعلا؛ فغالبية المسؤولين السابقين، ويلتف حولهم مجموعة من الحالمين بموقع وزاري هم من يعزز التشكيك والاتهام وترويج الإشاعة.
ومع فشل العديد من تلك الصالونات السياسية تم الذهاب لمنحى آخر، وهو منتديات وجمعيات تحت مسمى ثقافي أو اجتماعي، لكنها في الحقيقة محاولة لإعادة إنتاج الشللية والزبائنية السياسية، والهدف واضح وهو أن رأس هذه الجمعية أو المنتدى يريد أن يقول إنه فاعل في الحياة السياسية في محاولة منه للتذكير بنفسه، ولقناعة كثيرين أنها الطريقة الأنسب لصعود سلم الحياة السياسية، طالما أن المعايير الموضوعية، في ظل غياب حياة سياسية، مفقودة.
ولأننا نعيش في عصر السرعة، فإن التكنولوجيا دخلت على خط العناوين السياسية، فبدأ العديد من السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين إنشاء مجموعات على تطبيق "واتس اب” والتواصل مع كبار المسؤولين، الذين لا يمانعون في ذلك وبنفس الوقت يغيبون عن أحداث في غاية الأهمية مثل اضراب المعلمين الأطول في تاريخ الدولة الأردنية.
ولعل الفترة الممتدة من أحداث الخميس 5/9/2019 وحتى فجر الأحد 6/10/2019 وما رافقها من أحداث ومواقف واصطفافات ومحاولات للتوظيف السياسي والاستثمار ليس فقط، من القوى التي تملك موقفا مسبقاً من الدولة لاعتبارات وحسابات متعددة، بل اختفت النخب السياسية التي خرجت من رحم الدولة وتنعمت بخيراتها وأخذت مكانتها الاجتماعية من خلال الموقع السياسي، وذلك يحتاج وقفة مراجعة حقيقية وإعادة النظر بالكثير من المسلمات التي اكل الدهر وشرب عليها؛ ذلك أن الدولة اكتشفت أن كل ما يقال عن نخبها ومخزونها ورصيدها القادر على التحرك والخروج بحلول وتوافقات مجرد ولاء مخاتيري واهن، وأنها في كثير ممن قدمتهم للعمل السياسي استثمرت في الوهم بعينه ذلك أن الكثير من هذه النخب آثرت الصمت والابتعاد منتظرة لمن يكون الفصيل فيحتلب نياقه.
لا يحتاج الأردن الصالونات السياسية ونخبها، ولا منتديات وجمعيات الوجاهة ولا مجموعات "واتس آب” التي تعزز العلاقات والمكاسب الشخصية؛ بل يحتاج لحظة شجاعة حقيقية قوامها إصلاح سياسي يضمن برلمانا ممثلا للناس، بعيدا عن المال السياسي والتخندق العشائري، يشكل حكومة تتحمل مسؤولياتها وتملك البرنامج والمشروعية والجرأة في اقناع المواطنين بظروفنا، وعندها فقط يتحمل الناس خياراتهم الانتخابية.
ما جرى خلال شهر الإضراب كشف لنا حالة الخواء السياسي، وأن ما يسمى نخبا سياسية أصبح خارج السياق عمليا.
هذا الفراغ فرض حضور وتصدر نمط جديد من الحياة السياسية يملأ الساحة الخالية من القوى التي تحمل مشروعا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، فمثلا تشكلت حالة سياسية منذ الستينيات في القرن الماضي يقودها الشهيد وصفي التل، مقابل المرحوم بهجت التلهوني، وكانت عنوانا لصراع سياسي خفي ولكن مضبوط الإيقاع ونجح في تقديم نخب سياسية وازنة.
ولاحقا تنامت بشكل كبير ثنائية الرفاعي بدران التي استمرت تتصارع بشكل مستتر وامتد صراعها لمؤسسات الدولة المختلفة، وانحازت فيه احيانا مؤسسات سيادية لأي من الطرفين، والحقيقة أن الأردن وبعد أكثر من ثلاثين عاما ما يزال يعاني من إفرازات تلك الثنائية، ذلك أن جزءا كبيرا من مريدي المدرستين تسلموا مواقع صنع القرار، سواء رؤساء للحكومة ووزراء أو مسؤولين كبارا، بالإضافة لمجلس الأعيان.
منذ تسلم الملك عبدالله الثاني سلطاته الدستورية بدا أن له موقفا ناقدا ومستنكرا للصالونات السياسية، واعتبرها معاول هدم هدفها الاساسي الوصول لمواقع السلطة التنفيذية لذلك يرى جلالته في أحاديث صحفية كثيرة أن هذه الصالونات وقادتها هم من يقفون وراء الكثير من الإشاعات والتشكيك.
والواقع أن هذا ما يحصل فعلا؛ فغالبية المسؤولين السابقين، ويلتف حولهم مجموعة من الحالمين بموقع وزاري هم من يعزز التشكيك والاتهام وترويج الإشاعة.
ومع فشل العديد من تلك الصالونات السياسية تم الذهاب لمنحى آخر، وهو منتديات وجمعيات تحت مسمى ثقافي أو اجتماعي، لكنها في الحقيقة محاولة لإعادة إنتاج الشللية والزبائنية السياسية، والهدف واضح وهو أن رأس هذه الجمعية أو المنتدى يريد أن يقول إنه فاعل في الحياة السياسية في محاولة منه للتذكير بنفسه، ولقناعة كثيرين أنها الطريقة الأنسب لصعود سلم الحياة السياسية، طالما أن المعايير الموضوعية، في ظل غياب حياة سياسية، مفقودة.
ولأننا نعيش في عصر السرعة، فإن التكنولوجيا دخلت على خط العناوين السياسية، فبدأ العديد من السياسيين والإعلاميين والاقتصاديين إنشاء مجموعات على تطبيق "واتس اب” والتواصل مع كبار المسؤولين، الذين لا يمانعون في ذلك وبنفس الوقت يغيبون عن أحداث في غاية الأهمية مثل اضراب المعلمين الأطول في تاريخ الدولة الأردنية.
ولعل الفترة الممتدة من أحداث الخميس 5/9/2019 وحتى فجر الأحد 6/10/2019 وما رافقها من أحداث ومواقف واصطفافات ومحاولات للتوظيف السياسي والاستثمار ليس فقط، من القوى التي تملك موقفا مسبقاً من الدولة لاعتبارات وحسابات متعددة، بل اختفت النخب السياسية التي خرجت من رحم الدولة وتنعمت بخيراتها وأخذت مكانتها الاجتماعية من خلال الموقع السياسي، وذلك يحتاج وقفة مراجعة حقيقية وإعادة النظر بالكثير من المسلمات التي اكل الدهر وشرب عليها؛ ذلك أن الدولة اكتشفت أن كل ما يقال عن نخبها ومخزونها ورصيدها القادر على التحرك والخروج بحلول وتوافقات مجرد ولاء مخاتيري واهن، وأنها في كثير ممن قدمتهم للعمل السياسي استثمرت في الوهم بعينه ذلك أن الكثير من هذه النخب آثرت الصمت والابتعاد منتظرة لمن يكون الفصيل فيحتلب نياقه.
لا يحتاج الأردن الصالونات السياسية ونخبها، ولا منتديات وجمعيات الوجاهة ولا مجموعات "واتس آب” التي تعزز العلاقات والمكاسب الشخصية؛ بل يحتاج لحظة شجاعة حقيقية قوامها إصلاح سياسي يضمن برلمانا ممثلا للناس، بعيدا عن المال السياسي والتخندق العشائري، يشكل حكومة تتحمل مسؤولياتها وتملك البرنامج والمشروعية والجرأة في اقناع المواطنين بظروفنا، وعندها فقط يتحمل الناس خياراتهم الانتخابية.
ما جرى خلال شهر الإضراب كشف لنا حالة الخواء السياسي، وأن ما يسمى نخبا سياسية أصبح خارج السياق عمليا.