رغم مرارة الخامس من أيلول، وقسوة الإضراب على مئات بل الاف من العائلات وخسارة الطلبة، إلا أن الوجه الآخر من الصورة الأردنية تشي بالمعقولية وإرساء تقاليد واستقرار التوازن والاحترام والتباهي أن لدينا ما نفخر به.
إضراب المعلمين مدني قانوني حضاري، لدى طرفي المعادلة، الإضراب يكفله الدستور والقانون الذي يمنح المواطن الحق في الإضراب والاعتصام والتظاهر احتجاجاً على سياسة أو تحقيقاً لمطلب، وهذا ما بادر له المعلمون عبر نقابتهم، مطلب مشروع وبوسيلة قانونية، وتتجاوب الحكومة وقدمت عرضاً مالياً يُلبي مطالب المعلمين مع رسالة رئيس الحكومة العلنية التي أكد فيها أن كرامتنا من كرامتكم ومصلحتنا من مصلحتكم وسبق أن كررها مرة أخرى في مؤتمره الصحفي، ولم تتجاوب النقابة مع عرض الحكومة، وواصلت الإضراب، فلجأت الحكومة للقانون وللقضاء وهو قمة الأداء المدني القانوني الحضاري الذي أحرج النقابة ودفعها للاستجابة فأوقفت الإضراب، ولكنها تجاوبت وسجلت التزامها بالقانون وحكم القضاء بناء على نصيحة مستشارها القانوني، وهكذا نجد أن الاشتباك التفاوضي المتقطع بين طرفي الخلاف ظاهرة صحية، رغم أن النقابة ذهبت من أول الشوط إلى القرار الأقصى، والإجراء الأقسى بحق الطلاب وعائلاتهم.
الاشتباك المدني القانوني الحضاري بين طرفي المعادلة الخلافية بين نقابة المعلمين والحكومة، دلالة نضج وإحساس بالمسؤولية مقارنة مع ما نراه ونشاهده في البلدان العربية المجاورة، فالاحتجاجات لدى شرائح اجتماعية وقطاعات مهنية مختلفة يؤدي إلى سقوط ضحايا بالعشرات، فالاحتجاجات في درعا في أذار 2011، أدت إلى تدمير شبه كامل لسوريا وتهجير الملايين، وفي العراق وليبيا واليمن يسقط الضحايا ولم تسلم تونس ومصر والجزائر، ولذلك رغم مرارة الإضراب المؤذي بحق القطاع الأوسع من الأردنيين، ولكنه مازال تحت سقف الإجراءات المدنية المحتملة بدون خراب وبلا ضحايا وهو ما يدفعنا للمباهاة أن طرفي العلاقة، وطرفي الخلاف، وطرفي التصادم، يتعاملون تحت سقف المتاح والمسموح.
الخلاف بين نقابة المعلمين والحكومة خلاف مالي وتحسين ظروف المعيشة وتحصيل حقوق مادية ليس له علاقة بالمثُل والقيم والنُبل والطهارة، فالأداء الوظيفي رفيع المستوى يجب أن يشمل كل المهن من المدرس حتى عامل النظافة ومن الطبيب حتى حارس الأمن، كل إنسان موظف هو نبيل وطاهر في عمله وغير ذلك انحدار عن تأدية الواجب يستحق المساءلة والعقوبة والغرامة، لا أحد يعمل متطوعاً وإلا لماذا الإضراب والاعتصام والاحتجاج والمطالبة بتحسين الدخل ورفع قيمة العلاوة.
لا أحد يملك الحق في المزايدة على أحد، كل يؤدي دوره ووظيفته وواجبه وفق التعليمات والأنظمة وعلى قاعدة القانون وفي ظل الدستور الذي يحكمنا جميعاً، لا مهنته أفضل أو أرقى أو أنبل من الأخرى كل منا رجليه في الفلقة بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، وغلاء الأسعار والسلع، وتدني المداخيل والخدمات، وليس لنا خيار سوى الحفاظ على أمن بلدنا واستقراره والعمل على شيوع العدالة والمساواة والمواطنة المتكافئة لكل الأردنيين، وهذا هو التحدي أمامنا.
الوجه الآخر من الصورة
أخبار البلد - اخبار البلد-