مؤخرا، حضرتُ ورشةً تدريبية حول مهارات التعامل مع الطفل. لم تكن المرة الأولى لي بحضور هذا النوع من الورش، ولكن دائما هناك قيمة مضافة لأي تدريب مهما كان مرات حضورك له.
هذه الورشة، بالذات، شعرت أنها تمتلك أهمية كبيرة بالنسبة لي. ليس لجهة المحتوى وما يمكن أن تضيفه إلى السلوك، بل لجهة الأسئلة التي توالدت خلال وبعد الورشة.
ابتداء؛ لا بد للمؤسسات، خصوصا تلك التي تتعامل مع الأطفال، أن تؤهل موظفيها لكي يمتلكوا المعايير المهنية الدنيا، على أقل تقدير، لهذا التعامل، فهي بذلك تقدم صورة حضارية لنفسها، كما تسهم في نشر هذه المهارات، وخلق مجتمعات صديقة للطفل، وفضاءات يكون فيها محميا وآمنا.
هذا بالنسبة إلى المؤسسات، ولكن ماذا عن المجتمع؟ صحيح أن المؤسسات جزء من هذا المجتمع، ولكن لو نظرنا جيدا، فسنجد أن سلوك الفرد الوظيفي مختلف تماما عن سلوكه داخل مجتمعه؛ أسرته أو بيئته القرائبية أو دائرة علاقاته. المثالية التي ينطلق منها في تأدية عمله، هي مثالية مفروضة عليه، ويتوجب فيها أن يخضع لمعايير تلزمه بسلوك محدد مسبقا، تدخل في كثير من الأحيان ضمن متطلبات الوظيفة التي لا يمكن التغاضي عنها أو القفز عليها أو عدم الالتزام بها.
في دائرة العلاقات، يتحلل الفرد من هذا الالتزام، وينطلق في سلوكه من البيئة نفسها التي عاش فيها واكتسب سلوكياتها وثقافتها. في هذه الحالة، سوف لن يكون مضطرا لسلوك معين اكتسبه مؤخرا، رغم أن كثيرين قد يصبح مثل هذا السلوك لديهم ثقافة راسخة في شخصياتهم، يتمثلها طوال حياته.
في المجتمعات الأبوية التي ما تزال تتجذر فيها الثقافة الرعوية، بمفهومها الأيديولوجي وليس الإنتاجي، ما تزال الفئات الأقل قدرة على حماية نفسها تعاني اضطهادا كبيرا، ليس لأن هذه المجتمعات تستمتع بهذا الاضطهاد، وإنما لأن هناك تقاليد وقيما ترسخت عبر قرون، وساهمت في الحط من قدر تلك الفئات، وعلى رأسها الطفل والمرأة.
المشكلة في التدريبات التي تمنحها المؤسسات لأفرادها، هي أنها تعمل على خلق انقسام عمودي في المجتمع الواحد، فمن جهة، وحتى لو افترضنا جدلا أن التدريبات تغير ثقافة الموظفين، فهم سيكونون في معزل عن سلوك المجتمع الكبير الذي لا يقيم وزنا لما يعتبره "ثقافة هبطت عليه بالبراشوت”، أو أنه يدينها لأنها "ثقافة غربية”، بحسب ما يجادل به كثيرون. المقارنة بين الأقلية من المتدربين والأكثرية المجتمعية، سوف تمنح الأفضلية دائما للقيم السائدة، ولن يكون من السهل التأثير الإيجابي في بناها الفوقية.
إذن، ما الحل؟ هل نستسلم؟
لا أظن أن الاستسلام خيار مطروح حين يعمل الفرد على صنع التغيير المجتمعي الذي يسهم في التطور والتقدم، ويمنح الأفراد جميعهم فرصا متساوية في تجذير الكرامة والاحترام وحرية الاختيار. الحل أن نعمل مع المجتمعات نفسها، لا مع النخب فحسب. كثير من مؤسسات المجتمع المدني تحاول صنع التغيير من أعلى الهرم، وباعتقادي أننا لو بدأنا من القواعد، وعلى حزمة صغيرة من الأهداف لكان نصيبنا من النجاح أكبر بكثير مما نلاقيه اليوم.
لو استطعنا إقناع الآباء أن باستطاعة أبنائهم أن يختاروا طريق دراستهم بدون تدخل أو إجبار منهم، مثلا، سنكون وقتها حققنا قفزة واسعة باتجاه احترام هذه الفئة.
حزمة المعايير الكبيرة والدقيقة التي تضعها برامج التدريب، سوف تكون صادمة للمجتمع، ولن يتقبلها، بل سيقاومها بشراسة. إذا أردنا النجاح، فعلينا أن نفككها إلى حزم صغيرة، لا تصطدم في بداياتها مع وجدان المجتمع وثقافته. يكفي أن نعمل في البداية على موضوعة العنف الجسدي الذي تتسع دائرة الرفض المجتمعي له، وبعدها نعمل على غيره من الأهداف التي نضع مراحل منظورة لها.
بهذا الأسلوب، سوف نصنع التغيير التدريجي، ونضمن أنه تغيير جاء ليبقى على شكل سلوك، ومن خلال تغيير ثقافي مهم، لا أن نظل نمنح مثل هذه التدريبات كـ”حمولة واحدة”، من دون أن ننظر إلى الأثر الذي يمكن أن نكون قد تركناه خلفنا.
هذه الورشة، بالذات، شعرت أنها تمتلك أهمية كبيرة بالنسبة لي. ليس لجهة المحتوى وما يمكن أن تضيفه إلى السلوك، بل لجهة الأسئلة التي توالدت خلال وبعد الورشة.
ابتداء؛ لا بد للمؤسسات، خصوصا تلك التي تتعامل مع الأطفال، أن تؤهل موظفيها لكي يمتلكوا المعايير المهنية الدنيا، على أقل تقدير، لهذا التعامل، فهي بذلك تقدم صورة حضارية لنفسها، كما تسهم في نشر هذه المهارات، وخلق مجتمعات صديقة للطفل، وفضاءات يكون فيها محميا وآمنا.
هذا بالنسبة إلى المؤسسات، ولكن ماذا عن المجتمع؟ صحيح أن المؤسسات جزء من هذا المجتمع، ولكن لو نظرنا جيدا، فسنجد أن سلوك الفرد الوظيفي مختلف تماما عن سلوكه داخل مجتمعه؛ أسرته أو بيئته القرائبية أو دائرة علاقاته. المثالية التي ينطلق منها في تأدية عمله، هي مثالية مفروضة عليه، ويتوجب فيها أن يخضع لمعايير تلزمه بسلوك محدد مسبقا، تدخل في كثير من الأحيان ضمن متطلبات الوظيفة التي لا يمكن التغاضي عنها أو القفز عليها أو عدم الالتزام بها.
في دائرة العلاقات، يتحلل الفرد من هذا الالتزام، وينطلق في سلوكه من البيئة نفسها التي عاش فيها واكتسب سلوكياتها وثقافتها. في هذه الحالة، سوف لن يكون مضطرا لسلوك معين اكتسبه مؤخرا، رغم أن كثيرين قد يصبح مثل هذا السلوك لديهم ثقافة راسخة في شخصياتهم، يتمثلها طوال حياته.
في المجتمعات الأبوية التي ما تزال تتجذر فيها الثقافة الرعوية، بمفهومها الأيديولوجي وليس الإنتاجي، ما تزال الفئات الأقل قدرة على حماية نفسها تعاني اضطهادا كبيرا، ليس لأن هذه المجتمعات تستمتع بهذا الاضطهاد، وإنما لأن هناك تقاليد وقيما ترسخت عبر قرون، وساهمت في الحط من قدر تلك الفئات، وعلى رأسها الطفل والمرأة.
المشكلة في التدريبات التي تمنحها المؤسسات لأفرادها، هي أنها تعمل على خلق انقسام عمودي في المجتمع الواحد، فمن جهة، وحتى لو افترضنا جدلا أن التدريبات تغير ثقافة الموظفين، فهم سيكونون في معزل عن سلوك المجتمع الكبير الذي لا يقيم وزنا لما يعتبره "ثقافة هبطت عليه بالبراشوت”، أو أنه يدينها لأنها "ثقافة غربية”، بحسب ما يجادل به كثيرون. المقارنة بين الأقلية من المتدربين والأكثرية المجتمعية، سوف تمنح الأفضلية دائما للقيم السائدة، ولن يكون من السهل التأثير الإيجابي في بناها الفوقية.
إذن، ما الحل؟ هل نستسلم؟
لا أظن أن الاستسلام خيار مطروح حين يعمل الفرد على صنع التغيير المجتمعي الذي يسهم في التطور والتقدم، ويمنح الأفراد جميعهم فرصا متساوية في تجذير الكرامة والاحترام وحرية الاختيار. الحل أن نعمل مع المجتمعات نفسها، لا مع النخب فحسب. كثير من مؤسسات المجتمع المدني تحاول صنع التغيير من أعلى الهرم، وباعتقادي أننا لو بدأنا من القواعد، وعلى حزمة صغيرة من الأهداف لكان نصيبنا من النجاح أكبر بكثير مما نلاقيه اليوم.
لو استطعنا إقناع الآباء أن باستطاعة أبنائهم أن يختاروا طريق دراستهم بدون تدخل أو إجبار منهم، مثلا، سنكون وقتها حققنا قفزة واسعة باتجاه احترام هذه الفئة.
حزمة المعايير الكبيرة والدقيقة التي تضعها برامج التدريب، سوف تكون صادمة للمجتمع، ولن يتقبلها، بل سيقاومها بشراسة. إذا أردنا النجاح، فعلينا أن نفككها إلى حزم صغيرة، لا تصطدم في بداياتها مع وجدان المجتمع وثقافته. يكفي أن نعمل في البداية على موضوعة العنف الجسدي الذي تتسع دائرة الرفض المجتمعي له، وبعدها نعمل على غيره من الأهداف التي نضع مراحل منظورة لها.
بهذا الأسلوب، سوف نصنع التغيير التدريجي، ونضمن أنه تغيير جاء ليبقى على شكل سلوك، ومن خلال تغيير ثقافي مهم، لا أن نظل نمنح مثل هذه التدريبات كـ”حمولة واحدة”، من دون أن ننظر إلى الأثر الذي يمكن أن نكون قد تركناه خلفنا.