معركة متواصلة محتدمة على كل المستويات الشعبية والسياسية والحزبية، محلياً ودولياً، بين قوى الشعب الفلسطيني من طرف وقوى المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي من طرف آخر، على القدس وفي قلبها وعلى حاضرها وماضيها، وعلى مستقبلها، وبذلك تختصر القدس معركة فلسطين – إسرائيل، هل هي أرض ومقدسات ووطن الشعب الفلسطيني، أم مستعمرة للأجانب الذي وفدوا مستعمرين أو هاربين من الاضطهاد القيصري والنازي والفاشي الأوروبي، أو مستثمرين إلى فلسطين، إنه صراع التاريخ والوجود والواقع، صراع الرواية وحقائق الحياة، ومحاولات التزييف، وتوظيف القدرات لإزالة المعالم والوجود البشري والأثر الإنساني العربي الفلسطيني الإسلامي المسيحي وجعلها وطناً قومياً لليهود .
منظمات الهيكل وميليشيات المستعمرين مدعومين بقرار سياسي من حكومة المستعمرة التي يقودها نتنياهو مع اليمين واليمين المتطرف والمتدينين اليهود المتشددين، وأمنياً من قبل الجيش والمخابرات، لفرض أمر واقع الاحتلال الأجنبي على الحرم القدسي الشريف كما فعلوا في الخليل وحرمها ومسجدها، مسجد إبراهيم الخليل أبو الأنبياء، وجد للموحدين للمسلمين والمسيحيين واليهود قبل أن تستولي الصهيونية السياسية الدينية الاستعمارية على خيار أغلبية اليهود وتوجهاتهم العنصرية.
معركة المستعمرين ومنظماتهم في مواجهة مؤسسات الشعب الفلسطيني المقدسية : مجلس الأوقاف، الهيئة الإسلامية، دار الإفتاء، قاضي القضاة، ودائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى، ومعهم المسيحيون ومؤسساتهم وأديرتهم وكنائسهم المقدسة : القيامة والمهد والبشارة، أم التاريخ وشواهده وحضوره المشترك، معركة غير متكافئة بين قوة المستعمر وهمجيته، وبسالة الممسكين بهويتهم الوطنية وقوميتهم العربية وإسلامهم ومسيحيتهم ودرزيتهم، في دفاعهم عن الماضي والحاضر وخيارات المستقبل.
نجحت الصهيونية ومشروعها الاستعماري على أرض فلسطين، باحتلال كل فلسطين، ولكنها فشلت في طرد كل الشعب الفلسطيني عن أرضه وعن وطنه وعن مقدساته وهي الحلقة الأولى والعنوان الأبرز بين المشروعين وصراعهما، بين مشروع احتلال فلسطين ومشروع حريتها واستقلالها.
خطابات الرئيس التركي أردوغان والماليزي مهاتير محمد، لا يقلوا أهمية عن خطابي رأس الدولة الأردنية الملك عبد الله، والرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 74 في نيويورك، مما يدلل اتساع اليقظة الإسلامية حول الخطر الداهم المتواصل على فلسطين، مثلما يدلل أن الانحيازات والوعي لصالح عدالة القضية الفلسطينية لا يتراجع بل يزداد ويتسع، وما الموقف الأوروبي الذي يتقدم خطوات نحو الموقف الفلسطيني ودعمه والتراجع عن تبني موقف المستعمرة سوى تأكيد على تغيير متواصل على معادلة الصراع بين حقوق الفلسطينيين وأطماع الإسرائيليين التوسعية الاستعمارية.
المأساة تكمن في الانقسام الفلسطيني، والحروب البينية العربية التي دمرت قدرات العرب واستنزفت مواردهم، وغيرت بوصلة اهتماماتهم وخلقت لهم أعداء وهميين من ذواتهم، ولم يكن ذلك بعيداً عن تخطيط المستعمرة وأفعالها، وفرض تبني الولايات المتحدة لبرنامجهم في المس بوحدة الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين، لتبقى الإرادة والقوة بيد العدو الإسرائيلي المتمكن .
المسجد الأقصى للمسلمين، كما هي الكنيسة للمسيحيين، والكنيس لليهود، والخلوة للدروز، ولا مجال للتطاول أو المس وفرض الشراكة التعسفية العنصرية المفروضة بقوة العسكر والجيش وأجهزة الأمن، وغباء المتطرفين، ومثلما هُزم الاستعمار القديم سيهزم استعمار الصهيونية وأدواتها ومشروعها، وكما تم نبذ داعش والقاعدة سيتم نبذ مشاريع ومؤسسات ومنظمات الهيكل وفرض اليهودية وتطرفها لأنها ضد المنطق، ونقيض العدالة، وتصادمها مع الحياة وضد تطورها وتعدديتها وديمقراطيتها، تلك هي الحصيلة ولو بعد حين.
معركة القدس
أخبار البلد - اخبار البلد-