بناء على ما ينص عليه إعلان اللجنة الدولية لـ "الصليب الأحمر"؛ فإن الأسلحة النووية تعبر تهديداً غير مقبول للإنسانية، وأشد الأسلحة التي اخترعها الإنسان ترويعاً، إذ لا يضاهي قوتها التدميرية أي سلاح آخر، كما أنها السبب في معاناة إنسانية لا توصف، خصوصاً وأنه لا توجد وسيلة للسيطرة على انتشار السقاطة المشعة أو المدة الزمنية لآثارها، إذ يؤدي انفجار قنبلة نووية في مدينة إلى قتل عشرات آلاف السكان فوراً، ومعاناة عشرات الآلاف غيرهم إصابات مروعة إلى أن يلقوا حتفهم لاحقاً جراء التعرض للإشعاع.
ولا تقف الكارثة عن الخسائر الهائلة في الأرواح على المدى القصير، إنما قد تلحق أي حرب نووية أضراراً طويلة الأمد بكوكبنا، فهذه الأسلحة يمكن أن تحدث اضطراباً شديداً في النظام البيئي للأرض، وتخفض درجات حرارة العالمية ما يعرض العالم لنقص في الغذاء.
تسع دول في العالم تملك السلاح النووي، هي: أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية. وفي الشرق الأوسط، يعرف الجميع أن دولة الاحتلال الصهيوني تملك النووي (مفاعل "ديمونا") على رغم عدم اعترافها بذلك رسمياً، وتنام قريرة العين على حرير من الرضا الأميركي، ناهيك عن أنها لم توقع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية مع الهند وباكستان وكوريا الشمالية التي وقعت ثم انسحبت من المعاهدة سابقاً.
فكرة "عالم بلا نووي" هي فكرة أميركية! وهنا مكمن الشك والريبة؛ فالعالم يعرف يقيناً أن أميركا لا تهرول عبثاً، فإذا كانت لا تجني من أي قضية أرباحا أكثر من رأس المال، لا تقدم عليها.
حديثنا هنا عن النوايا، أما الواقع، فمختلف تماماً، إذ تعيش أميركا حالياً صراعاً مع كل العالم تقريباً، بل وتعيش أزمات داخلية ربما هي الأعتى في تاريخها. ومرد الفكرة الأميركية، هو رغبة واشنطن في الحفاظ على تقدمها النووي الذي كانت سباقة فيه، وكذلك كانت - ويا للأسى- السباقة في استخدامه في كارثتي ناغازاكي وهيروشيما اليابانيتين، وهو ما يبطل فكرة أن دول العالم الثالث أو الدول ذات الأنظمة الديكتاتورية يجب ألا تحوز على النووي حتى لا تستخدمه، وهو كلام حق أريد به باطل، فمع توفقنا مع الكلام عن خطورة امتلاك دول غير ديموقراطية لـهذا السلاح، كانت أميركا الدولة الوحيدة التي استخدمته، وما زالت دولة ديموقراطية عريقة.
لنعد إلى النووي والصراع الأميركي – الإيراني. من حيث المبدأ، أنا ضد أن تملك إيران سلاحاً نووياً، لكنني وبشكل أكثر شراسة ضد أن يستمر الصمت عن نووي الدولة الصهيونية.
سبق للأميركيين أن دعموا امتلاك باكستان النووي في عام 1962، ودعموا إيران في مسعاها للحصول على النووي في عام 1950، لكنهم آنذاك كانوا يعتبرونها "الشرطي" الأقرب إلى قلوبهم، إضافة إلى دولة الاحتلال، ونستطيع الزعم أن العلاقة مع دولة الاحتلال أصبحت أكثر متانة وقوة بعد سقوط الشاه الإيراني الذي كان حليفاً عتيداً للأميركيين.
من حق الخليجيين التخوف من النووي الإيراني، وفي كل بلد في العالم يترقب الجار دوماً ما يحدث في منزل جيرانه، كونه في النهاية سينعكس عليه إما سلباً أو إيجاباً، لكن لن يستطيع الأميركي أن يخترع حلولاً سحرية لقضية أسهم بنفسه في إنتاج ألغازها.
لا أعتقد أن أميركا تتصرف بحكمة في تعاملها مع الدول الأخرى، لكن المؤكد هو أن الأميركيين يستثمرون الفرص وينتهزونها، بل وقد يصنعونها أو يسهمون في صنعها، خصوصاً ذا كانت دول المنطقة تتيح لهم ذلك، وأخشى ما أخشاه أن تمنح إيران أميركا هذه الفرصة الذهبية كما فعل صدام حسين من قبل.