أخبار البلد -
الملحق الأسبوعي لصحيفة هآرتس الاسرائيلية والذي جاء بعنوان (تفاصيل الجرائم التي حجب الاحتلال وثائقها) والصادر عن قسم الأرشيف السري في وزارة جيش الاحتلال الاسرائيلي، بتاريخ 5/7/2019م، اثار لديّ بعض التساؤلات بعد ان قمتُ بقراءة هذا الملحق قراءة متأنية كي اتعرف على جميع حيثياته, ولكي اقف ايضا على ابعاد هذا التقرير واسباب توقيت نشره جميع وسائل الاعلام في الآونة الاخيرة بالذات, متوخيا في ذلك الدقة في الحكم عليه, ومراعيا ما امكن موضوعية التحليل والربط للأفكار والمعاني التي جاءت فيه.
جاء التقرير في صحيفة هآرتس الاسرائيلية تحت عنوان تفاصيل الجرائم التي حجب الاحتلال وثائقها, وتناقلته وكالات الانباء العالمية, معتقدا ان العنوان في التقرير قد خالف المضمون تماما, حيث ان القارئ لم يلحظ فيه اية تفاصيل تذكر لجميع الجرائم التي اُرتكبت منذُ عام 1948وحتى الآن, ولم يتضمن طرح جميع الجرائم التي وقعت وارتكبت هناك, انما جاء التقرير ببعض ملامح الجرائم وبطريقة مشوهة, مُخفيا بذلك العديد من الجرائم وتفاصيلها البشعة التي ارتكبت بحق الفلسطينيين الابرياء وقتها, مبررين ذلك ان بعض الاوراق قد سقطت او سُحبت او فُقدت من تلك الوثائق والمستندات بطريقة معينة, هذا ما اكدته المؤرخة المعروفة «تمار نوفيك» حيث أشارت إلى أن موظفي (مالماب) وهو القسم الأكثر سرية في وزارة الأمن الإسرائيلية، والذين عملوا على إخفاء مئات الوثائق والمستندات، كجزء من حملة منهجية مبرمجة لإخفاء أدلة نكبة عام 1948م وما بعدها من احداث، فقد لاحظت خلال أبحاثها لتأريخ حقبة النكبة، أن هناك أجزاء من المستندات والوثائق ضائعة وان هناك أوراق منزوعة لإخفاء هوية مرتكبي الجرائم, وان «يحئييل حوريف» الذي شغل منصب رئيس (مالماب) هو من بدأ بعملية إخفاء الوثائق والمستندات التي لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وأن هناك المزيد من الجهود المبذولة لإخفاء أحداث 1948م وما بعدها.
اما عن توقيت نشر التقرير, يبدو ان التوقيت جاء مقصود ومدروس في هذه الايام بالذات, نعم مقصود ومدروس من اجل العمل على اعادة تأكيد الرواية اليهودية المزعومة, بان الفلسطينيين هم الذين غادروا فلسطين منذُ عام 1948م بمحض كامل ارادتهم, ويكون بذلك وحسب اعتقاداتهم ان ليس للفلسطينيين حق العودة الى اراضيهم المحتلة او حتى حق تقرير المصير، ثم ان هذا التوقيت جاء من اجل تعميق الرواية الإسرائيلية في نفوس الفلسطينيين التي أصبحت شائعة على مر السنين، بأن المسؤول عن إفراغ القرى العربية في فلسطين كان من خلال عناصر سياسية عربية شجعت السكان على المغادرة، معتقدا هنا ان السبب المباشر وراء هذه الرواية المزعومة هو زرع بذور الفتنة والبغضاء في النفوس الضعيفة والمريضة.
وبهذا فان هذا التقرير حاول ولم ينجح في اخفاء تفاصيل العديد من جرائم الاغتصاب والطرد والترحيل والتهجير والتدمير التي ارتكبت ووقعت آن ذاك, تلك التي اُرتكبت على الارض الفلسطينية منذُ عام 1948وحتى الآن, ثم محاولة من جهة اليهود توقيت نشر هذا التقرير في هذه الآونة بالذات من اجل زرع بذور الفتنة والبغضاء لدى الفلسطينيين بعضهم ببعض من جهة, ولدى الفلسطينيين مع بعض اخوانهم العرب من جهة اخرى.
بقي ان نقول: كثير من جرائم الاغتصاب والطرد والترحيل والتهجير والتدمير التي ارتكبت ووقعت منذُ عام 1948وحتى الآن في فلسطين المحتلة, تحتاج من بعض الباحثين الصهاينة جرأة وشجاعة وموضوعية لإظهار الوثائق والمستندات المتعلقة بها دون تزوير او تغيير او تحريف, وما ادراكم ما هي فنون واساليب التحريف.
نعم ظهور الحقيقة قادم, والتاريخ المعاصر لن يسمح بتأخير تلك الحقائق, فشمس الحقيقة بازغة ولو بعد حين, فكم من حقيقة دُفنت في ماضي الايام وظهرت جليا فيما بعد,...قال احد الحكماء يوما من الايام ومن على مياه احد الانهر عائدا دون ان يصطاد شيء: في مستنقع الأكاذيب, لا تسبح سوى الأسماك الميتة.