إتضحت المعركة أكثر فأكثر , وأعاد شباب الثورة في مصر القضية الفلسطينية إلى مسرح الأحداث بصفتها قضية العرب المركزية الأولى فقد أكدوا وهم يقتحمون سفارة العدو الصهيوني أنهم قادرون على الرد , واستمعنا إلى تصريحاتهم المصرة على رفضهم لاتفاقية الذل والعار(كامب ديفيد) وضرورة التخلص منها , وهم في الطريق للإجهاز على الكيان الصهيوني الطاريء.
وهنا, ستتضح المواقف كذلك, فالخبير المقدوني فلاديمير أورتاكوفسكي يرى أن الربيع العربي ما هو إلا فصل من نوع آخر في الصراع العربي الإسرائيلي وقع بعدما أخضع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردوغان العسكر وأطاح بالعلمانية التابعة وقاد البلاد نحو الإزدهار الحقيقي, ووقع بعد التحدي الإيراني وإصرار طهران على أنها قوة نووية وعلمية قادرة على التصدي للعالم بأسره , ووقع بعد أن فقد حلف الناتو قتلى كثيرين من مختلف بلدانه في كل من العراق وأفغانستان حيث تشتد المقاومة للإستعمار الأمريكي والأطلسي , ويقع هذا الربيع العربي في وقت أصبح فيه التيار الديني زعيما بلا منافس في الشارع العربي والإسلامي بعد انحسار اليسار الذي لم يحقق شيئا طوال القرن الماضي , والقوميين الذين فقدوا عراق البعث وأحرجتهم إحتجاجات سوريا وكشف كل أوراق القذافي الفار مما زادهم نبذا في الشارع العربي. ويؤكد صاحب كتاب القضية الوطنية الفلسطينية وكتاب الإنتفاضة الشعبية في فلسطين وكتاب القضية الوطنية اللبنانية إن عرب المهجر لعبوا دورا بارزا في إشعال الربيع العربي بكشفهم عيوب الأنظمة العربية الراكعة وممثليها المرتهنين لتنفيذ أجندات الغرب وأوامره ساعدهم في ذلك تقنيات الإتصال الحديثة . وكشف في حديثه لصحيفة ورقة الصباح أن فصائل جبهة الإنقاذ الفلسطينية قد ألغت وجودها بانضمامها إلى صف النظام السوري الذي كانت في الأصل مرمية في حضنه, وأشار إلى أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تستفيدان كثيرا جراء الفصل الأول من الربيع العربي الذي أظهر حقيقة القوة الإسرائيلية أنها نابعة من دعم الأنظمة العربية المتهاوية ودوائرها المشبوهة وحركات تحرر زائفة في عدد كبير من فصائلها.
ورغم أن التخلص من بقايا الأنظمة العربية الفاسدة يحتاج لوقت خاصة وأن من يدعون بيساريتهم من العرب أخذوا يبحثون عن دور ولو بالتزوير وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة , جنبا إلى جنب مع العلمانيين الذين لم تتكشف وجوههم بعد, مما يعني أن على الجميع التمحيص الدقيق للقيادات القادمة. فقد كشفت الأحداث السابقة مواقف لشخصيات عربية تطرفت ضد الفلسطينيين أكثر من نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان . وتدل مقالاتهم وآرائهم المناهضة للأوردوغانية التركية على أنهم يستجدون أمريكا أن توصي بمن تبقوا من خدمها بهم في الوقت الضائع. ومن هنا فالإجهاز على هؤلاء المندسين بات حتميا في هذه الثورات التي كشفت عوراتهم .
قال لي أحد قياديي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين السابقين وهي الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية أن غالبية المنضمين للجبهة يجهدون في إبراز هوياتهم على أنهم مفكرين ليلتحقوا بالقسم الأيديولوجي هاربين من حمل السلاح وكانت سياسة قيادة أبو عمار تهيء للتسوية مما جعل الحكيم (جورج حبش) يقول في مقابلة العدد الخاص من مجلة الهدف لسان حال المكتب السياسي للجبهة الصادر في آخر أعوام الثمانينيات من القرن الماضي أن التيار الديني سيقود المرحلة القادمة بسبب تنازلات اليمين الفلسطيني , ولم يقل اليسار لعلمه العميق بأزمته التي لم تخرج عن أنه ورقة ومصطلحات وانتظار وهمي بوصول حزب راكاح الشيوعي الصهيوني للسلطة . ومما زاد طينتهم بلة هو أنهم لم يجدوا دولة واحدة من حلف وارسو أقرت بما أورده اليهودي كارل ماركس في نظريته بشأن المسألة اليهودية بل تسابقت تلك الدول على الإعتراف بالكيان الصهيوني . في تلك الأيام كنت شاهدا على نشاط المسؤولين الفلسطينيين وقد عقدوا لقاءات مكثفة لتحذير الفصائل من تنامي التيار الديني في قطاع غزة منذ مطلع النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي . خاصة وإن المناضلين من أبناء حركة فتح الذين لم يرق لهم تهديد ياسر عرفات بإبادة حماس والجهاد ( ألله, بيقولولي حماس والجهاد الإسلامي , دولا قبائل الزولو الفلسطينية , حبيدهم ) فانتقلوا إلى صفوف الحركتين ليبدأ العصر الذهبي لشعبية حماس. وعقب الإنتخابات البرلمانية التي جرت في الأردن في آخر أعوام ثمانينيات القرن المنصرم صرحت إسرائيل أنها لن تقبل قيام دولة دينية بجوارها , فأصبح التزوير سيد الموقف في كل الإنتخابات اللاحقة وقد أقر مسؤولون رسميون بذلك.
سوريا والعراق , قطبان عربيان كبيران ولهما ثقل في تشكيل الخارطة الجيوسياسية للعالم العربي , كل منهما كان ينظر للآخر على أنه عدوه الأول وليس إسرائيل. وغرس كل منهما فصائل له في بلدان الوطن العربي الممزق إستعماريا فانهار العراق بتآمر المخلوع حسني مبارك كبير خدمة أمريكا المتقهقرة وجارته العزيزة إسرائيل وسوريا حافظ الأسد في العدوان الثلاثيني في مطلع تسعينيات القرن الماضي الذي وصفه العميد الركن المتقاعد محمد نورالدين شحادة بأنه القرن المؤامرة. وبعد سقوط النظام العراقي بإشارة خضراء من النظام الإيراني الذي سبق وأن منحها للإطاحة بنظام طالبان الذي أجهز على الجيش الأحمر وفتت حلف وارسو واستفاد من تقوية نفوذ الشيعة في أفغانستان في نظام كرزاي رغم أن الهند هي المستفيدة الأكبر في توسيع نفوذها في المنطقة هناك لتصبح الورقة الإيرانية لاعبا أساسيا إلى جانب الورقة التركية.
اليسار العربي افتقد باب القذافي الذي منحه الملايين لشراء أقلام وأوراق لفلاسفته المفلسين , حتى أن أحد المقربين من القذافي الهارب قال لي إنهم يعاملوننا كبقرة حلوب سنتجه إلى إفريقيا, صحيح أننا اشترينا كبارهم وأصبحوا بفضل أقلامنا منظرين للفكر الجماهيري لكنهم في حقيقتهم جبناء حرب وفارغين. ويخشى هذا اليسار من سقوط نظام بشار الآيل للسقوط حتما فيتشكل محورا مصريا سوريا تركيا سيلقي بظلاله على المنطقة والعالم وهم في ذلك ليس لهم من نصيب وقد اعتادوا على الإسترزاق بطريقة لم تعد صالحة للمرحلة القادمة التي تنبأ بها الحكيم قبل عقدين من الزمان ونيف.
النظام العربي واحد, ناطقه الرسمي يعلن حربه على الإرهاب وتنظيم القاعدة ويتميز بالبلطجية والشبيحة وقوى الشد العكسي . فقد وضع القذافي كؤوس الخمر في المساجد ليدمرها وأما النظام السوري فهو يهدمها جهرا دون أية ذريعة , وكم شاهدنا من كلاب تدنسها في مرحلة سابقة أسوة بما تفعله حليفتهم إسرائيل , وهو ما يشكك المواطن العربي في أصل هؤلاء الحكام ودياناتهم ومذاهبهم. ويتميزون بالفساد والتبعية والعمل على نشر الرذيلة وهدم الأخلاق , ويتميزون أيضا برفع شعار أولا تكريسا للقطرية , فعمدوا إلى تأسيس حلقة مستفيدة مهمتها الحفاظ على العمالة لأسيادهم الذين ينفذون مخططاتهم.
والمخيمات الفلسطينية مشهد واحد. يتميز بحلم ساكنيه بالعودة وعشق الكفاح المسلح . ويتميز بالأحاديث عن المجاهدين والشهداء . ويفرحون كما كل الشعوب العربية المناضلة المكافحة من المحيط إلى الخليج لكنس هذه الأنظمة التي ما خلقت إلا تيارات إقليمية لمهاجمتهم وهي تمنعهم من التسلح لمحاربة إسرائيل فغدا الفصام السياسي رهن الموقف ولا حل له إلا بتحرر الشعوب من فساد أنظمة حكمتها ومشاريع حركات تحرر تعتمد على موسكو ستالين الصهيوني الذي عرف عنه تذبذب مواقفه وانحيازه للكيان الصهيوني واعتقاله للأكاديمية الفلسطينية الروسية كلثوم عودة فاسيليفا إبنة الناصرة لكشفها أسراره.
هنيئا لنا جميعا بمصر الكنانة وهي عازمة على اجتثاث بقايا المتصهينين فيها , وهنيئا لنا بتونس الخضراء وهي مصرة على الثأر من الصهاينة المجرمين وأعوانهم ممن اغتالوا الشهداء خليل الوزير وصلاح خلف وأبوالهول قبيل بدء عمليات العدوان الثلاثيني على بغداد الرشيد , وهنيئا لنا بليبيا وقد تخلصت من صاحب مشروع إسراطين وطوبى لكل شهداء الشعب السوري الشجاع المصر على إعدام بشار وحليفه الجبان اليسار والحبل على الجرار .
مايا رائد الحاج يحيى