أخبار البلد - للتّاريخ لا للرّزّاز ( 1 ) ...
لا شكّ أن حكومة دولة الدكتور عمر الرزاز قد ولدت على وقع ظروف استثنائية غير مسبوقة ، سواء كانت تلك الظروف داخلية أو خارجية , سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ، فمن ناحية الظروف الداخلية فقد تم تكليف الرزاز بعد ضغط الشارع لإقالة حكومة الملقي في ظل حالة اقتصادية متردية للمواطنين وللاقتصاد الأردني بشكل عام ، أما من ناحية الظروف الخارجية فلا تقلّ الحالة تعقيدا وصعوبة عن الأوضاع الداخلية ، فالأوضاع في سوريا والعراق لم تستقر بعد والعلاقات مع بعض دول الخليج ليست في أفضل حالاتها وأخيرا الحديث عن ( صفقة القرن ) وتبعاتها , كل هذه التحديات وضعت الحكومة في مواجهة ليست سهلة ومطلوب منها الخروج بأقل الخسائر سياسيا واقتصاديا.
الظروف الاستثنائية التي واجهت حكومة دولة الدكتور عمر الرزاز منذ بداية تشكيلها قابلها حجم طموحات مرتفع وغير مسبوق من المواطنين بحكم التاريخ الناصع للرزاز ، فعلى مدى خدمته لسنوات في مؤسسات الدولة المختلفة لم يسجل عليه قضية فساد واحدة ولم يرد اسمه في أي قضية من هذا النوع من قريب أو بعيد .
محاربة الفساد كان وما زال هو العنوان الأبرز لمطالبات المواطنين والحراكات الشعبية والأحزاب ويكاد يكون هذا المطلب من المطالب القليلة التي تجمع عليها جميع أطياف الشعب الأردني ، وللإنصاف فقد بذلت حكومة الرزاز جهودا منذ بداية عملها لتحقيق هذا المطلب بقدر المستطاع من الإجراءات العملية والتي كان لها أثر واضح بتحقيق الهدف الذي أوصى به جلالة الملك عبد الثاني ابن الحسين وهو ( كسر ظهر الفساد ) .
ربما أن تلك الإجراءات لم ترق للكثيرين من المتورطين بقضايا فساد ممن وصلوا إلى قناعة بجدية وتصميم وعناد الرزاز وحكومته لتحقيق الهدف فأوصلتهم قناعتهم تلك إلى نتيجة وهي أنهم قد أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من المساءلة وتقديمهم للمحاكمة لينالوا جزاءهم ، فلم توفر هذه الفئة أي فرصة للهجوم والتهجم على الرزاز وحكومته من أجل تحريض الرأي العام على شخص الرئيس والحكومة لإشغالهم عن الهدف وهو كما أسلفت ( كسر ظهر الفساد ) .
بعض المواطنين يطالبون بشواهد – وهذا حقهم – على إجراءات حكومة الرزاز في موضوع ( محاربة الفساد ) وحتى يكون المقال موضوعيا أقدم بعضا من تلك الشواهد التي اتخذتها الحكومة ومنذ بداية عملها :
أولا : التعديلات التي أقرتها الحكومة ومجلس الأمة على قانون الكسب غير المشروع والأهداف من هذه التعديلات هي تحصين المال العام ، توسيع قاعدة الخاضعين لإشهار الذمة المالية ، مراقبة نمو الثروة وخصوصا للمسؤولين وإلزام جميع الخاضعين لإشهار الذمة المالية لتزويد هيئة النزاهة ومكافحة الفساد بالإقرارات وتغليظ العقوبات على غير الملتزمين .
وقد رأينا دولة رئيس الوزراء ومنذ بداية توليه رئاسة الحكومة رأيناه سباقا لإشهار ذمته المالية وتبعه في ذلك جميع أعضاء حكومته وباقي مسؤولي الدولة , وهذا ما لم يعتد عليه المواطن الأردني من الحكومات السابقة . وهنا أوجه سؤالا أليس لهذه الخطوة الأثر الإيجابي في محاربة الفساد وتحقيق النزاهة والشفافية ؟
ثانيا : التعديلات التي أقرتها الحكومة على قانون النزاهة ومكافحة الفساد والتي أحالتها منذ أشهر لمجلس النواب من أجل إقرارها ، تلك التعديلات التي من من شأنها تعزيز استقلالية عمل رئيس وأعضاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد .
ثالثا : التعديلات التي أقرتها الحكومة ومجلس الأمة على قانون ديوان المحاسبة والتي عززت من استقلالية الديوان من النواحي الفنية والإدارية والمالية بما يمكنه من تأدية دوره الدستوري في الرقابة المالية والإدارية على جميع مؤسسات الدولة .
رابعا : تعامل حكومة الرزاز غير المسبوق مع تقارير ديوان المحاسبة الواردة للحكومة ولمجلس النواب , تلك التقارير التي بقيت في أدراج الحكومات المتعاقبة منذ عقود ولم تجرؤ أي حكومة سابقة على فتح تقارير الديوان أو حتى التعامل مع بعض المخالفات والقضايا الواردة فيه . حيث شكل رئيس الوزراء لجنة برئاسة أمين عام رئاسة الوزراء وعضوية رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب لمتابعة التقارير الواردة من ديوان المحاسبة الى الحكومة .
هذه بعض من الإجراءات التي قامت بها حكومة الرزاز من أجل تعزيز مؤسسات الرقابة لمحاربة الفساد وتحصين المال العام ، تلك الإجراءات بالإضافة إلى جرأة دولة الرئيس وصلابته وتصميمه في هذا الموضوع , كل هذا أدى إلى نتائج إيجابية لا يخفى على المعارض لحكومة الرزاز قبل المؤيد لها ومن تلك النتائج :
1- متابعة الحكومة لقضية فساد كبرى وردت من أحد النواب وهي القضية المشهورة بقضية الدخان حيث يحاكم الأن أمام محكمة أمن الدولة المتهم الأول عوني مطيع بالإضافة لوزير سابق ومدير عام الجمارك السابق وهو برتبة لواء بالإضافة لمتهمين آخرين سواء كانوا أشخاصا أو شركات .
2- ملاحقة ثلاثة وزراء سابقين بتهم فساد منهم وزير صحة سابق ووزير أشغال بالإضافة لنائب سابق .
3- عدد القضايا التي حولتها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد إلى القضاء في عام 2019 فقط بلغ 81 قضية .
4- تصويب جميع المخالفات التي وردت في تقرير ديوان المحاسبة لعام 2017 وتصويب 116 مخالفة في تقرير الديوان لعام 2018 .
5- تقدر قيمة المبالغ التي من الممكن تحصيلها من جميع قضايا الفساد المحالة الى هيئة النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء بأكثر من مائتي مليون دينار .
6- استرداد أموال عامة تتعلق بستين موضوع صرفت دون وجه حق أو سند قانوني لموظفين أو مقاولين أو صرفت لنفس الشخص مرتين أو تبين وجود اختلاس أو تزوير بوصولات أو أوراق رسمية .
7- إلزام مؤسستين حكوميتين لديها فوائض مالية بشكل مخالف للقانون الى الخزينة.
8- سحب عدد من المركبات الحكومية من موظفين مصروفة لهم دون موافقة رئيس الوزراء .
9- تحويل 10 قضايا فساد في عام 2018 وردت في تقرير ديوان المحاسبة الى القضاء لوجود تجاوز على القانون وتزوير واختلاس أموال عامة .
هذه بعض من ترجمة الحكومة لتوجيهات جلالة الملك بمحاربة الفساد والفاسدين وأنه ( لا حصانة لفاسد ) ، وبعد كل هذا ألا يظلم نفسه قبل أن يظلم دولة الرئيس والحكومة من يدعي أن الحكومة قد قصرت في موضوع محاربة ؟
وللحديث بقية في المقال القادم ...
عبد الغفور القرعان .