من يراهن على أمريكا والغرب فهو خاسر خاسر, والواقع الحالي الذي تشهده المنطقة العربية لهو الدليل الأكبر عن سهولة تخلي أمريكا والغرب عن حلفائها الأكثر إخلاصا وخدمة لهم على مدار توليهم السلطة, بل حتى في طريقة التخلي عنهم ما يشير ويدلل إلى النهج الذي ما زالت تتعامل فيه الولايات المتحدة مع حلفائها وهو نهج الأعلى للأسفل..
عندما اجتاح الاتحاد السوفيتي أفغانستان كان الجهاد هناك يتم برعاية رسمية وبتسهيلات سخية لكل الشباب العربي الذين يرغبون في الالتحاق بركب المجاهدين, ولم يكن الجهاد في ذلك الوقت إرهابا أو تهمة يعتقل على أثرها كل من فكر به, أو حرّض له, أو نوى نية مقرونة, أو غير مقرونة بفعل, أو همس في أذن أحدهم, أو رأى رؤية في المنام بأنه يجاهد كما يحدث الآن, فقد كان الجهاد في ذلك الوقت غاية سامية عند النظام العربي الرسمي لعدة أسباب منها: تقاطعه في ذلك الوقت مع المصالح الأمريكية, إضافة لبعده عن أمريكا وربيبتها (إسرائيل) ...
ولا يحتاج الأمر هنا للتوضيح والتفصيل فالعدو قبل ذلك كان الاتحاد السوفيتي وخطر المد الشيوعي على المصالح الأمريكية هناك, أما اليوم فالمحتل هو الولايات المتحدة الراعي الرسمي للحرب على (الإرهاب) الجهاد سابقا...
لكن ومنذ أحداث أيلول 2001 تغيرت الأمور من ناحية العداء للفكر السلفي الجهادي؛ وأقصد هنا أن العداء كان موجودا من قبل ولكن الحرب المعلنة والتضييق وحملات الاعتقالات قد باتت سمة رسمية معلنة في كل الدول العربية ومعظم الدول الإسلامية, لدرجة أن الكثير من الدول اغتنمت تلك الفرصة في كسب الرضا والدعم المالي لقاء خلق حالات لم تكن موجودة أصلا في بلدانها, كل ذلك فقط لكسب الثقة أو الدعم المالي أو لتبرير القمع وتقييد الحريات وسيادة الاستبداد بحجة محاربة الإرهاب, وأكبر دليل على ذلك ما حدث ويحدث الآن من ربط الأنظمة العربية التي سقطت, أو ما زالت تصارع شعوبها الثائرة على جورها؛ من ربطها لثورة شعوبها بالجماعات الإسلامية المتطرفة ( فزاعة الغرب) لتبرير القمع الوحشي والقتل بدم بارد ما دام الأمر بحجة مكافحة التطرف والإرهاب الذي يهدد الغرب إن وصل للسلطة...ومع ذلك ورغم ما قدمت تلك الأنظمة سابقا للغرب؛ فلم يشفع لهم ذلك بعد أن تغلبت إرادة الشعوب على كل حواجز وهواجس الخوف من أجهزة الأنظمة القمعية...
أما في الأردن وباستثناء تفجيرات عمان المدانة سلفا والقادمة من خارج الحدود وليس من داخلها, فلم يصل الأمر يوما إلى حد وجود تنظيمات مسلحة إسلامية على التراب الأردني تحارب الدولة أو تقتل و تفجر بين المدنيين كما يحدث في دول كثيرة حتى العمليات التي تمت في العقبة قدمت من خارج الحدود أيضا...
إن المصلحة الوطنية العليا اليوم يجب أن تتجاوز كل المصالح الأخرى والحسابات الدولية الهشة التي ثبتت هشاشتها أمام إرادة الشعوب, فلم تشفع تلك المصالح أو التحالفات في إنقاذ من ذهبوا وأفنوا حياتهم وضحوا بكل شيء لأجل الغرب ومصالحه العليا, ولا أنسى مطلقا أن فرنسا الحليف الأول للرئيس التونسي زين العابدين بن علي قد رفضت رفضا قاطعا مجرد هبوط طائرة بن علي أراضيها, وكذلك رئيس وزراء إيطاليا الذي تخلى في النهاية عن صديقه الودود القذافي, بل وساهمت الطائرات الإيطالية بقصفه وإسقاطه بعد أن تأكدت من قرب انهيار نظامه وانتهاء صلاحيته, وهذا النظام المصري الذي كان الحليف الأول لأمريكا وإسرائيل في المنطقة, فسرعان ما رحبت أمريكا على مضض بإرادة الشعب المصري متخلية بكل سهولة عن الحليف الأول لها في المنطقة كاملة, ولم تشفع له كل خدماته العظيمة المقدمة في مكافحة (الإرهاب) وحماية أمن (إسرائيل) ومصالحهما طيلة فترة حكمه...
هذا هو الواقع وهذا ما يقوله المنطق ويشهد له التاريخ على مر العصور, نعم نراعي إمكانيات الوطن, والواقع العربي والحسابات الدولية والمصالح المشتركة ونبرر في بعض الأحيان الاتفاقات والمعاهدات...لكن بما لا يتجاوز مصالح الوطن والشعب... فلا مصلحة عليا إلا مصلحة الوطن ولا إخلاص إلا للشعب الذي هو أقوى من كل سلاح, وهديره يجرف كل حصن منيع مهما بلغت صلابته...فالمراهنة على غير الشعوب بالتأكيد خاسرة.
إن هيبة الدولة لا يمكن أن تكون إلا بإحقاق الحق وسيادة العدل والقانون, أما الظلم فهو السوس الذي ينخر البنيان المرصوص حتى يهدمه, وهو الآفة التي تصنع التطرف ولا تردعه, والعدالة والتسامح والحوار كفيل بتفتيت الصخر الصلب وتغيير القناعات إن كانت مشوهة ومنحرفة, والتيار السلفي في الأردن لم يصل إلى حد محاربة الدولة والخروج عليها كما حدث في بعض الدول, فهم أبناء هذا الوطن والغيورين عليه وهم مواطنون صالحون في مجتمعهم, وإن كان منهم من يحمل فكرا ومعتقدا مؤمنا به, فالسجن لا يزيده إلا قناعة وإيمانا بفكره هذا الذي قد يتطور نتيجة الشعور بالظلم وغياب العدالة إلى حد التطرف وهذا ما لا يريده كل غيور على هذا الوطن...
من هنا, نتمنى على حكومة البخيت أن تكون سبّاقة في شمول سلفيي الأردن المعتقلين بالعفو الخاص وأن تدخل الفرحة والسرور على أسرهم وأطفالهم, وأن تبحث عن وسائل أخرى في محاربة الفكر التكفيري عند من يؤمن به, وليس كل سلفيي الأردن لديهم هذا الفكر, بل هو زمن تداخلت فيه المصطلحات والمفاهيم وتاهت بين من يكفر مسلما, أو يكفر عدوا محتلا وجب قتاله أو بين من يجاهد دفاعا عن وطنه ودينه ضد المحتل, أو من يبيح قتل المدنيين الآمنين المسالمين ظنا منه أن هذا جهادا ...
إن أبرز ما يميز الدولة الأردنية منذ تأسيسها هو طابع التسامح الذي غاب كثيرا عن دول المنطقة التي شهدت وتشهد ثورات غير مسبوقة, وسياسة التسامح هذه هي سبب رئيسي من أسباب الوضع الحالي المستقر في الأردن وسط العاصفة المدمرة التي تجتاح المنطقة, ويخطئ جدا من يظن غير ذلك...وتونس وليبيا ومصر وسورية خير مثال على ذلك...
فلتكن مصلحة الأردن هي العليا ولتعلن الحكومة عن عفو يشمل كل السجناء الذي اعتقلوا على أساس ومعتقد ديني وفكري...ولم تثبت عليهم أية جرائم أخرى, بل أدعو رئيس الحكومة نفسه أن يلتقي برموز هؤلاء السلفيين ويستمع لهم كما يفعل مع تيارات كثيرة داخل الوطن فلربما رأى وسمع غير ما يصل له من تقارير قد تكون قلبت الحقائق وزيفت الواقع ...وهي خطوة إن حدثت فمن المؤكد أن نتائجها ستكون إيجابية من دون شك وستسجل لصالح الحكومة...
rawwad2010@yahoo.com