قفا نبك على معلم زمان

قفا نبك على معلم زمان
أخبار البلد -  


أين اختفى ذلك المهيب بملامحه الصارمة ؟ فتشت عنه في جميع مدارسنا يوم أمس بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد فما وجدته . ثمّ عادت بي الذكريات ، وأنا على بوابة المدرسة أمس إلى أيام زمنه الجميل ، فتنهدت وأخذت نفسا عميقا ، واسترجعت كل أيامه السالفة بعد مضي أكثر من ثلاثين عاما في التدريس العام والجامعي .

قفا نبك على معلم زمان بكل أسلحته : الخيزرانة ، والحزام ، والمسطرة الطويلة ، والعقال ، والكندرة ،واليد المدببة ، ومسّاحة الصف .وربطة عنقه القصيرة ، وقميصه الضيق .

قفا نبك على معلم زمان بصورته المحفورة في الوجدان ، ذلك الصارم الذي لا يهادن ولا يجامل في علاماته وعلاقاته ومعاملاته أحدا ، ويقف مع طلبته على مسافة واحدة ، ونظرة متساوية  من العدل والحزم والاحترام والإفادة .وكم كان بهيّا حين يدخل إلى الصف حاملا وسائله التعليمية عل بساطتها : الخارطة المهترئة الملفوفة ،التي كنا نستعجل ونتلهف لرؤيتها ولعرضها قبل أوانها  ، الطباشير الملونة ،التي كنا نحرص على سرقة بقاياها بعد خروج المعلم ، والفرجار الطويل الذي ما إن تنغرس إبرته على اللوح ، حتى نميل رءوسنا استمتاعا بانحناءات الدائرة المرسومة بكل عناية ودقة .

قفا نبك على معلم زمان الذي كان يحرمنا من حضور الأفراح والأتراح، فبظهوره في مناسبات القرية يعني اختفاء لنا ،وقطع أرزاقنا ،معاشر الأطفال ، وحرماننا من متعة حضور العرس ،والحصول على قطعة ملبس، أو حفنة قضامة صلبة ،أو التمكن من أخذ دور مع الأطفال الكبار للحس منسف في العرس توالى على أكله ثلاث (طارات)!! ، وكم كنا نسأل بعضنا أسئلة بريئة : هل يا ترى المعلم (صالح ) بشر مثلنا يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، ويضحك ، ويدخل الحمام كسائر خلق الله ؟؟؟

قفا نبك على مدارس زمان ، الأجنحة المرتفعة المتقابلة ،سارية العلم المنتصبة ، الساحات الخالية من أكياس ( الشبس)الأحواض المزروعة بالنعنع والزعتر وبيوت البندورة والباميا ، والصفوف الممتلئة بالوسائل التعليمية المصنوعة بأيدي الطلبة  ، وحتى جدول الضرب حتى العشرة تراه أمامك ، يحرّضك على حفظه .ولكم كان ممتعا أن يكلف مربي الصف بعض طلبته بعمل مجلة حائط تعلّق في مكان بارز أمام الإدارة ، لينظر إليها الزوار والطلبة ‘ ويطلعون على محتوياتها!! ومن يتصور الآن أن معلم رياضيات السادس سابقا كان يكلف طلبته بعمل تقرير عن (إقليدس ) للاطلاع عل رواد الرياضيات في العالم !دون وجود وسيلة للحصول على المعلومة إلا مكتبة المدرسة ،ومن يتصور الآن أن حصة الرياضة سابقا كان لها من الهيبة والانضباط والوقار ما للحصص الانجليزي والرياضيات ، حيث كان المعلم حريصا على إحضار الطلبة ( للشورت ) حتى ولو كانت مادته الخام من شوالات الطحين الامريكي المكتوب عليها ( ليس للبيع أو المبادلة ) !

قفا نبك على المواد الدراسية ابتداء من كتاب ( الهداية ) التربية الإسلامية حاليا ، وكم كان معلمها حريصا على تحفيظنا جزء عمّ وجزء تبارك ،وتعليمنا الوضوء عمليا، بإخراجنا عند الحنفيات لتطبيق هذه العملية التي كنا نستمتع بها ، وكثيرا ما كنا نضحك على بعضنا لأننا نكتشف أننا مسحنا رءوسنا قبل أن نغسل وجوهنا !! وكم كانت حصة ( الهندسة ) ممتعة ، حين كان المعلم يرسم مجموعة من المثلثات والدوائر ، ويفاجئنا بإثبات أن زاوية( أ) تساوي زاوية ( ج) وينهي المسألة بالقول ( إذن ) ويكتبها ثلاث نقاط مكومة على بعضها، فندرك أن المسألة قد حُلَّت ،وأن الحصة قد انتهت.

لا أدري لماذا كانت ثقافة الطلبة ـ على الرغم من قلة الإمكانيات ـ موسوعية ، يكلف المعلمون الطلبة برسم خريطة العالم والعالم العربي ، وآبار النفط في ليبيا وفوسفات المغرب ، ومدن تونس ، وفروق التوقيت ، ومدار الجدي وزراعات السودان . ودراسة كل الحضارات القديمة : السومريون والفنيقيون والبابليون ون ون ون ...

وكم كانت خطوط الطلبة جميلة ،كلها متناسقة ، يميزون بين الرقعة والنسخ ، ويكتبون على السطر ، وتعبيراتهم في حصص التعبير جميلة ، كانت تقرأ في الصف ، ويستمع الطلبة إلى نقد المعلم في كثير من الاهتمام ، وحتى حين كان بعض الطلبة العشاق ينوون كتابة رسائل الغرام ،كانوا يقرءون كل ما كتب في الغزل لاختيار المناسب منها ، لا كما هو حال (مسجات) الخلوي التي أفسدت اللغة مثلما أفسدت الذوق، يا الله كم كانت رسائلهم جميلة ودقيقة وتشتمل على الصور البلاغية المنمقة والعبارات الرقيقة المهذبة .

هذه ذكريات جعلتني أقول (قفا نبك )، وأقول يا عمار على معلم زمان : هيبته وهيئته وحصصه ومدرسته وأنشطته وطلبته ،وكل ما اشتمل عليه ذلك الزمن الرائع من بهاء وانضباط ووقار ، لا كحالتنا اليوم : مدارس كالحة بائسة حزينة ، فوضى وتفلت وعنف وفقر وإهمال وإحباط وهروب من الأسوار الخلفية والأمامية ، وطلبة حائرون ، واكتظاظ صفوف ،وحصص مجتزأة ونقص معلمين ودوام ( نص كم ) وبرامج  مثل ( السيجة )ما زال فيها تعارض .وصيانة تحتاج إلى صيانة .

أيتها الوزارة العتيدة ، ذات البرامج والدورات والتعليم الإلكتروني وحوسبة المناهج ، ودورات الاقتصاد المعرفي ، والتفاعل الصفي ، والورش التعليمية ، هل اطلعتم على واقع التعليم في الأردن ؟ وهل خرجتم إلى الميدان خروجا حقيقيا لا شكليا بداية هذا العام ؟ إنك إن فعلتم ستجدون العجب العجاب . صدّقوني . ويا عمار على معلم زمان .

Tarq_majali@yahoo.com

شريط الأخبار جمعية البنوك تعقد الإيجاز الربعي الثالث لعام 2024 وزير الخارجية: عدوان إسرائيل على لبنان مكنّه العجز الدولي عن وقف العدوان على غزة إيقاف رحلات شركات الطيران الأردنية إلى بيروت حتى إشعار آخر الملك يلتقي رئيس وزراء بلجيكا الأمن السيبراني: 27% من حوادث الربع الثاني من 2024 "خطيرة" "مجموعة المطار": توترات غزة ولبنان خفضت عدد المسافرين 5.4% منذ بداية 2024 نائب الملك يزور القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية الخبير زوانة يتحدث عن اثر الضريبة الجديدة على السيارات الكهربائية على البنوك ومجلس النواب والحكومة الجديدة الأسد يصدر مرسوما بتسمية فيصل المقداد نائبا له بكم بيع رقم 4444-44.. ؟ الأمن العام: القبض على خلية جرمية من 6 أشخاص امتهنت الاحتيال المالي الإلكتروني احذروا.. شركات مشروبات غازية مقاطَعة تتسلل الى الأسواق بعلامات تجارية جديدة ناديا الروابدة.. المرأة الحديدية التي صنعت التحولات الكبرى في وزارة العمل العماوي: شكلنا لجنة لتقييم نتائج الانتخابات ومعالجة السلبيات لتجاوزها في الانتخابات اللامركزية والبلديات وزير التربية:الهجوم على دروس الأغاني والمطربين "مسيّسة" إنهاء خدمات موظفين في الصحة .. أسماء وزيرة النقل تلتقي ممثلين عن العاملين بالسفريات الخارجية وتستمع لمطالبهم 48 محامياً يؤدون اليمين القانونية أمام وزير العدل "دعيبس" يعري وزارة الثقافة بدموع سكبها بغزارة في دار المسنين نقيب المعاصر يُطلق صافرة بدء موسم الزيتون: جاهزية كاملة وأسعار ثابتة رغم التضخم