أخبار البلد -
الحمدُ لله وحدهُ ، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبي بعده ، وبعد ...
قال الله تعالى :{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ } ( سورة البقرة الآية 185)
في هذه العجالة ، ونحنُ ما زلنا في أواخر شهر شعبان ، وأيام قليلة تفصل عن شهر رمضان المبارك نُبين بعضاً من التصرفات التي تظهر من كثير من الناس في شهر رمضان المبارك؛ نبيّنها هنا حرصاً على تحذير الناس من الوقوع بها ؛ ولاستغلال شهر رمضان في الطاعة ، وحرصاً على التنافس في شهر رمضان وعدم التفريط في الطاعات قال الله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} الآية ( المطففين الآية : 26 )
يستقبل الكثير من الناس شهر رمضان المبارك في سلوكيات مخالفة لما شرعَ الله لعبادهِ ، وما سنهُ رسوله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وهؤلاء – هداهم الله - لا يفكرون فيما وراء ذلك من مخالفات شرعية .
وقد كانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُبشّر أصحابه بقدوم شهر رمضان ، ويشرح لهم مزاياه كما قال : " قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرٌ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، كتب اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ، فِيهِ تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ، وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا ، فقَدْ حُرِمَ " رواه الإمام أحمد في المسند (2/386)ح(8979) ، والنسائي في سننه (4/129)ح(2106) ، قال الشيخ الألباني : صحيح 4/129 ، وهو في صحيح الترغيب 1/490
ومن تلك المخالفات :
• المبالغة في الإنفاق في التحضير لشهر رمضان
وهذه من السلوكيات السلبية التي تسللت إلى مجتمع الصائمين مما أدّى إلى تشويه الوجه المشرق لصورة الصيام ؛ فينقلب شهر رمضان من شهر الحرمان المشروع، والتهذيب بالجوع إلى شهر التشهّي وبذل الأموال الطائلة ، وتهيئة ما لذَ وطابَ من المآكل.
فما يُنفق في شهر رمضان على الطعام والشراب يفوق مثله في أي شهر آخر، وهناك ظاهرة محزنة أنَّ معظم ربات البيوت تمضي نهارها في إعداد الموائد حتى إذا ما حلَّ وقت الإفطار أقبل الصائمون على تناول الطعام بنهمٍ يبلغ حتى التخمة؛ والتي ربما أعجزتهم عن القيام لأداء الصلاة ، أو شهود صلاة التراويح في مساجدهم.
• اتخاذ الصوم ذريعة لتبرير سوء الخلق
وهذا للأسف نلمسه من بعض الصائمين ، ومنهم بعض الموظفين خاصة في تعاملهم مع المراجعين ، وما يظهر من تعاملهم مع غيرهم من سرعة الغضب، وغلاظة الطبع، وحدة المزاج ؛ فنراهم يغضبون لأتفه الأسباب ويسارع هؤلاء إلى تبرير ما يصدر عنهم من إساءة وأذى للآخرين بأنه بفعل تأثير الصيام عليهم، كما أنَّ بعض الناس إذا رأوا رجلاً صائماً ، وكان ثائراً قد أخرجه الغضب عن حدّه يبادرون إلى القول: "لا عتب عليه، ولا ملامة، فهو صائم " ، وكأن الصوم في نظرهم مبرر للسخط ومساوئ الأخلاق.
ولنعمل بقولِ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : " إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ ، وَلا يَجْهَلْ ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ " رواه البخاري (1894) ومسلم (1151)
• الانكباب على تلاوة كتاب الله
ما أن يبدأ الشهر الفضيل؛ فإذا بالكثير من المسلمين ينكبُّ على تلاوة كتاب الله فيختمه مراراً ومراراً خلال الشهر، وهذا شيء طيب ، ومنهم من يفاخر بذلك تباهياً ، وما أن ينتهي الشهر الفضيل حتى يودّع كتاب الله ؛ فلا يفتحه مرّة ثانية إلا بقدوم شهر رمضان جديد .
• الاحتشام في اللباس
تحرص كثير من النساء المتبرجات ، وممّن عرفن بالسفور حتى دأبن عليه واستمرأنه في سلوكهن الاعتيادي بين النساء أن تحتشم في شهر رمضان ، وأن تقلع عن السفور، فما أن ينتهي شهر رمضان حتى ترمي خمارها وتخلع جلبابها وتعود سافرة متبرجة متزينة ، وهذا من الآثام العظيمة التي قد تؤدي بصاحبتها إلى النار نعوذ بالله من شرورها.
وقد نهى سبحانه نساء المؤمنين أن يبدين زينتهن لغير أزواجهن ومحارمهن إلا ما ظهر من الزينة فقال جلَّ شأنه} : وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ {( سورة النور الآية 31 )
وقال سبحانه وتعالى : }وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى{ ( سورة الأحزاب الآية 33 (
• الإقبال على العبادات والقربات في رمضان وهجرها في غيره من الأشهر
ما أن يتم الإعلان عن ثبوت رؤية هلال شهر رمضان حتى نجد أقواماً تبرز في تصرفاتهم أعمال مفادها الحرص على الطاعات ، والتحرز عن مقارفة المعاصي ، وارتكاب الذنوب، وما أن ينتهي شهر رمضان حتى يعود إلى ما كانَ عليه من معاصي وذنوب ، وخاصة في فترة العيد من التجاوزات الشرعية في الاختلاط والسفور ، وفعل المنكرات ، وهذا لا يجوز شرعاً ومن يقوم بهذا ، ولم يتب إلى الله فهو آثم ونسأل الله العافية .
قال الله تعالى : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } سورة النور الآية 31.
• عدم إيلاء العشر الأواخر من رمضان الاهتمام الكافي
حيث يقوم بعض المصلين بالعشر الأواخر بالانصراف إلى مصالحهم الدنيوية والانشغال بالتجارة وأمور الدنيا والاستعداد للعيد وما إلى ذلك، وقد أصبح هذا الأمر مألوفاً عند الكثير من الناس الذي يبدأ شهر رمضان بجد ونشاط ثمَّ يأخذه السأم والتعب ، وربما تسرب إليه شيء من الكلل، واذكّر هنا بأنَّ الأعمال بخواتيمها ولا بدَّ من نهاية الصوم أن لا تقل عزيمة وإصراراً عن البدايات فيه ؛ ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ" . رواه البخاري (2024) ومسلم ) 1174) ومعناه استغرقه بالسهر في العبادة صلاة وتلاوة ،وقال ابن حجر: " وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأواخر إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة". "الفتح" 4/ 270
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على النبي المبعوث رحمة للعالمين