أخبار البلد - دعم الخبز مجحف ويجب اعادة النظر فيه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
الخبز بالذات كان وما زال له خصوصية عند كافة البشر, ويجب ان يكون الرغيف المستدير في متناول يد كافة المواطنين, وللخبز دلالات عديدة لدى الشعوب والحضارات الماضية, فقد قال الأديب والمؤلف الألماني «برخت» منذ فجر الحضارة (أعطيني خبزًا ومسرحًا..أعطيك شعبًا مثقّفًا), ويبد ان «برخت» قصد بالخبز هنا الغذاء الجيد, وقصد بالمسرح الحريات العامة, وان حكاية دعم الخبز ستوفر لكتّاب الروايات في قادم الايام كتابة روايات عديدة حول الرغيف المستدير والذي لا يستطيع الالحاق به الا من طالت يده, او من طال لسانه.
مهما قلّبنا آليات دعم الخبز سنجد انها مجحفة في حق طبقتين رئيسيتين من طبقات المجتمع من اصل ثلاث طبقات تسود المجتمع الاردني, فالطبقتين اللتين تتلقيا دعما للخبز هي الطبقة الدنيا والطبقة المتوسطة, والملفت للنظر ان هذه الطبقات تقوم بصرف المبلغ الزهيد والبسيط الذي تستلمه من ضريبة الدخل خلال ساعات او ايام معدودة من استلامها للدعم, وان هذا الصرف يكون على اشياء اخرى حيث الحاجة وليس على الخبز, في حين ان هاتين الطبقتين تقوم بشراء الخبز يوميا بسعر باهظ ومرتفع, وبهذا تكون تلك الطبقات قد (خرجت من المولد بلا حمص) في جانب دعم الخبز.
المجتمع الاردني منذ عقد من الزمن مر بتجربة تسمى (الخبز المحسّن) من حيث الخلطة, فكان بمقدور المواطن الغني فقط شراء خبزا محسّنا والمؤسف هنا ان هذا الخبز له خلطة من نوع معين, في حين ان المواطن الفقير كان ملزما بشراء خبزا غير محسّن وللأسف الشديد ان هذا النوع من الخبز كان له خلطة مختلفة عن خلطة الخبز المحسّن, وأنقسم المجتمع وقتها الى قسمين, قسم يدعى بأصحاب الخبز المحسّن, وقسم آخر يدعى بأصحاب الخبز غير المحسّن, وان اصحاب الخبز غير المحسّن كان يمثل السواد الاعظم في المجتمع.
واليوم نعيش موقف مشابه تماما لموقف الامس, حيث ان المجتمع الاردني يقف امام امر اخر وتحت مسمى (دعم الخبز) ماديا, الامر الذي ادى الى انقسام المجتمع الاردني ايضا الى قسمين, قسم يدعى بأصحاب الخبز المدعوم يتلقى دعما ماديا للخبز, وقسم آخر يدعى بأصحاب الخبز غير المدعوم لا يتلقى دعما ماديا للخبز, والمبدأ في التقسيم هو الفقر والغنى, الفقير يأخذ دعما للخبز ويصرفه بيوم وليلة في حين ان شراءه للخبز يكون يوميا طيلة ايام السنة, والاغنياء لا يأخذون دعما للخبز مع ان استهلاكهم للخبز اصلا هو قليل من حيث المبدأ, كون البدائل متوافرة لديهم.
القضية الاكثر تعقيدا هنا هي ان تصنيف دخول المواطنين في ضوء (دعم الخبز) فيه شيء من العشوائية وعدم العدالة, فالموظف الذي على رأس عمله او المتقاعد من السهولة بمكان التعرف على دخله المحدود, وبالتالي سهولة اتخاذ قرار ان يطوله الدعم ام لا, لكن المشكلة عند المواطنين غير الموظفين والذين يعملون اعمال حرة غير معروفة للدولة, فان دخول هؤلاء غير معروفة وغير محدودة وربما اتخاذ قرار ان يطولهم الدعم ام لا يكون فيه شيء من العشوائية, ومن هنا تبدأ قضية عدم العدالة, فكثير من المواطنين دخولهم الحرة والغير مكشوفة لضريبة الدخل اكثر بكثير من دخول بعض الموظفين الذين من هم على رأس عملهم ام من هم من المتقاعدين, مع كل ذلك يأخذون دعما للخبز, في حين ان بعض الموظفين الذين هم على رأس عملهم ام هم من المتقاعدين لا يأخذون مثل هذا الدعم.
قضية دعم الخبز بشكل عام, قضية فيها شيء من العشوائية وعدم العدالة, وبالتالي هناك شيء من الاجحاف لكثير من المواطنين, والسبب ان هناك بعض المؤشرات وبعض المتغيرات والتي يصعب ضبطها لدى بعض المواطنين, كالدخول الظاهرة والدخول غير الظاهرة, وعدد افراد الاسرة, والساكنين بالإيجار والساكنين بالملك, كذلك من يقوم بتدريس ابناءه ومن لا يقوم بتدريسهم, ثم الزوجة العاملة والاولاد العاملين من غير الزوجة العاملة ومن غير الاولاد العاملين, الى غير ذلك من متغيرات ومؤشرات يصعب حصرها وضبطها.
من هذه المنطلقات ومن منطلق (أعطيني خبزًا ومسرحًا..أعطيك شعبًا مثقّفًا) اعتقد ان دعم الخبز مجحف ويجب اعادة النظر فيه, وانني اضع هذه القضية بين يدي وامام المعنيين, من اجل اعادة النظر فيها كي نحقق مبدأ العدالة الاجتماعية بين جميع فئات المجتمع, فالمجتمع بحاجة الى غذاء جيد ومناخ نقي للحريات العامة.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وتُب علينا انك انت التواب الرحيم، اللهم احسن خاتمتنا في الامور كلها واجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة, اللهم تُب علينا ولا تجعلنا من أصحاب الخبز غير المحسّن, واجعلنا هذه المرة من أصحاب الخبز المدعوم, يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين, آمين...آمين...آمين.