صحافة ساخرة - مصطفى صوالحه
وبينما ينتظر السيد (عبسي محدود الدخل) سيارة الأجرة حتى يتسنى له الذهاب لوالدته التي تقطن بعيدًا عنه ما يُقارب الساعة من الزمن، وإذا بسيارة أُجرة صفراء تصطف بالقرب منه، جاء ذلك بعد 15 دقيقة من الإنتظار تحت زخات المطر.
وفي الطريق التي تَعُج باللافتات الإرشادية التي كُتب عليها أن البلدية تعمل لأجلنا وتعتذر عن إزعاجنا، بدأ السيد (محدود الدخل) بالنظر خلسة إلى السائق الذي بدا أنه قطع شوطًا طويلًا في هذه الحياة البائسة، لينتابه الخوف، فهذا السائق على أقل تقدير، لا يتفاوض على الأجرة، وما يطلبه يجب أن يُدفع.
وقبل أن يصل منزل والدته، لاحظ أن السائق مِزاجه سيّئ، فقد انهال بالشتائم على الحكومة لمواقفتها ترخيص شركات التوصيل التي تستخدم التطبيقات الذكية، ويُضيف (محدود الدخل) : "لقد كنت قلقًا للغاية، فمنزل والدتي ليس بعيدًا للغاية، لكن السائق ولكثرة اللافتات الإرشادية التي صادفها وحتى يتخلص من أزمة السير الخانقة اتجه إلى شارعٍ فِرعي مخفي لعله يوصلنا إلى الوجهة المنشودة بسرعة".
وأضاف "لقد بدأت الحوار مع السائق عن مستقبل مهنة سيارات الأجرة، وقد كان حزينًا للغاية، فشركات النقل الذكية بدأت تستحوذ على اهتمام المواطنين كما قال لي، ولديه عائلة كبيرة يجب أن يُنفق عليها وأن يُطعمها..وفي الحقيقة، اعتقدت أن أسلوبه هذا هو المُتبع في الحصول على قيمة مُضاعفة من الأجرة، فالأجواء ماطرة، وشرطي السير كاد أن يخالفه عندما طلبت منه أن يتوقف قليلًا لأشتري الحلويات لوالدتي، كما أنه لم يتحدث لي مغامراته وأن الأُجرة التي ندفعها لا تسمن ولا تُغني من فقر في ظل الأسعار الخيالية لتنكة الوقود، بالإضافة إلى أن "فتحة العداد" يجب أن تكون دينار على الأقل حتى يتسنى له تأمين حاجياته، لم يتحدث في أيٍ من الأمور التي ذكرتها، وكان كل ذلك مُعطيات كافية حتى أدفع مبلغًا لا يُستهان به من المال"
وقال (محدود الدخل) إن المفاجأة الحقيقة كانت عندما طلب منه الأجرة، فقد اعتقد حينها أنه سيدفع قرابة الأربع دنانير، رغم أن المسافة لا يُستحق أن يُدفع من أجلها دينار واحد، مضيفًا أن السائق نظر إليه مطولًا ثم قال: "75 قرش يا ابني"، ثم تابع " ما راح أحسب الوقفة، ما تخاف، في أمان الله"، لتبدأ ملامح الحيرة على (محدود الدخل) بالتشكل، "لقد كان ذلك صاعقًا بالنسبة لي، فأنا لا أعيش في العاصمة، ولا أحد يتقيد بالقوانين، لكن كان ذلك يبعث على السكينة".