مثلما يسعى أصحاب متاجر استبدال بضاعتهم تماشيا مع موضة جديدة مطروحة، فإن الخطابات الإعلامية والرسمية وحتى من قوى سياسية تستبدل لتتوافق مع مجريات السوق وتحرك الشيء القليل من توجهات الشارع.
تجار من الدرجة الثانية يجدون أنفسهم مضطرين لمواسم تنزيلات وإجراء تخفيضات ملموسة، للتخلص مما لديهم وإلا اصابهم الافلاس، أما النخبة منهم فحالهم أفضل، إذ هم يعهدون لأقل مستوى منهم في تصريف بضاعتهم، وفجأة تجدهم استوردوا الجديد ومن أفضل الماركات المسجلة.
بيد أن العملية غالبا ما يشوبها الشك، وتجد المستهلكين من أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية يكشفون بعد أن يجوبوا الأسواق بأن التنزيلات وهمية ولم تكن هدفا بتحريك السيولة وإحداث نشاط بعد ركود. في النهاية يتعرض التجار لضيق مادي وبعضهم يفلس، يستعدون عبر الاستدانة للتعويض في موسم آخر. أما النخبة فيبدؤون بتصريف بضاعتهم الجديدة بالطبع لزبائنهم المميزين دونما سؤال أو استفسار عن المصدر والجودة، فيعتقد البائع والمشتري أن الثقة تلعب دورا أساسا في التعامل ليجني هؤلاء مزيدا من الأرباح.
سوق السلع لا تختلف كثيرا عن حراج السياسة، بل إن الأولى تشترط الجديد والموديل الحديث، أما الثانية فإنها تعج بالسكراب والأدوات القديمة. لا ندري إن كان مصطلح الثقة المفقودة بين السلطة والشعب والتي جاءت بفعل عملية تراكمية لسياسات الحكومات المتعاقبة جديد في سوق السياسة، أم أنه سلعة عفا عليها الزمن وتحتاج لاستبدال من الأصل والاستعاضة عنها بمصطلحات أخرى مثل "إصلاح حقيقي" أو "صراحة مطلقة".
نفهم أن المصطلحات الجديدة كلفتها عالية، ولا يمكن تطبيقها فورا لاعتبارات سوقنا السياسي وحالته المختلفة عن الأسواق الأخرى، كما هي سلع تجار النخبة التي تحتاج لأموال مضاعفة للحصول عليها، لكن لا نفهم التحول الجذري في مسار الخطاب السياسي والاعلامي نحو التركيز على مسألة الثقة وكأنها هي السبب الرئيس فيما نعاني منه من قصور في عملية التنمية الشاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وليس أخيرا عجزنا عن مكافحة الفساد. نعم الثقة مطلوبة وملحة في ظل هذه الأجواء لإعادة بناء العلاقة بين الدولة والشعب، ليؤسس بعدها حياة منظمة تخضع للقانون والمساءلة تفرض العدالة المنشودة، لكن ماذا عن السلع البالية ومخلفات تجار الفئة الثانية وحتى النخبة، الا تحتاج تلك لإعادة تصريف أو تدوير؟ إن صح التعبير فقد عفا عليها الزمن وباتت تنعق في متاجرنا السياسية قبل التجارية.
آنذاك بالإمكان التعويل على موسم جديد، وستأتي الثقة وحدها دون حوافز ودون توجيهات، فإن كانت متاجرنا لامست أقل طموحات الشعب وتماشيا مع متاجر من حولنا فسنجني الأرباح وسنحصد العدالة. غير ذلك سنبقى دوما في دائرة "التنزيلات الوهمية".
موضة الحديث عن الثقة
أخبار البلد -