تستمر الحركة الاسلامية ، بشقيها الاردني ، والسوري المقيم في الاردن ، بالاعتصام امام سفارة الجمهورية العربية السورية في عمان ، وكان اخر تلك المهازل ما جرى ليلة القدر ، التي يتقرب فيها المؤمنون لله في المساجد ، تعبدا حتى مطلع الفجر ، لكنها كانت امام السفارة السورية شتما وقدحا برئيس سوريا ، وشخص السفير ، في ظاهرة لم يشهد الاردن مثيلا لها ، وهو الذي عرف على الدوام بوسطيته واعتداله ، واحترام دول العالم له ، وسعيه لتضامن العرب ، واحترامه للاتفاقات الدولية ، ومنها اتفاقية فينا لعام 1961 لحماية البعثات الدبلوماسية ، كل البعثات الدبلوماسية ، فكيف ان كانت هذه البعثة لدولة شقيقة ومجاورة ، تربطنا بها اشد اواصر الاخوة والجوار ، وتعتبر سندا للاردن ، كما الاردن سندا لها ، ويكفي ان جامعاتها خرجت وما تزال ، عشرات الالوف من الطلبة الاردنيين منذ عقود طويلة ، ومنهم من اصبح في اعلى المواقع القيادية في الاردن ، في الوقت الذي لم تتوفر فيه فرصة التعليم لهم في الاردن ، حين كانت الجامعات غير متوفرة ، او شحيحة ، او تقتصر على معدلات الثانوية العالية ، او لنفقاتها العالية لا تضاهيها نفقات الدراسة في سوريا .
لقد شهدت سوريا خلال اشهر الازمة – المؤامرة ، مئات مسيرات التاييد لقيادتها ، الى جانب مظاهرات المعارضين وممارساتهم العنفية ، وهي المسيرات التي لم ولن تتطرق لها فضائيات الفتن ، لغرض في نفس يعقوب ، وكان لا اسهل من تسيير مسيرة الى سفارتنا بدمشق ، ردا على الاعتصام المتكرر امام سفارة سوريا بعمان ، ومن السهل ايضا ان تصدر هتافات مسيئة ، مترافقة مع اتهامات للاردن بدعم المناهضين ، فهل نقبل ذلك لنا ؟ بالتاكيد لا نقبل ، والاولى ان نتعامل مع الاشقاء ، كما نريدهم ان يتعاملوا معنا ، فسياستنا كانت تقوم دائما على عدم التدخل بشؤون الاخرين ، ونحن الذين عانينا الامرين من تدخل الاخرين بشؤوننا .
انني لا استغرب ان يقوم الاخوان المسلمون السوريون في الاردن ، بمثل تلك الاعتصامات ، ورفع تلك الشعارات ، والصراخ بمثل تلك الهتافات ، ان اتيحت لهم الفرصة في اي مكان بالعالم ، فهم يعتبرون ان لهم ثأرا مع القيادة السورية ، التي حجمت دورهم وعزلتهم ، بعد لجوئهم للسلاح اواخر السبعينات ، وتسببهم بسقوط الاف الضحايا المدنيين الابرياء ، لكن الذي لا استطيع فهمه ، هو التحول المفاجيء في موقف الاخوان المسلمين الاردنيين ، المعروفون بوسطيتهم واعتدالهم ، والذين كانوا حتى الاسابيع الاولى من بداية الازمة ، في تحالف جهادي مع سوريا ، تذهب قياداتهم الى دمشق ، ويلقون كل ترحيب ، وتتكرر اشاداتهم بسوريا ، ويحضرون احتفالات السفارة السورية بعيد الجلاء كل عام ، وتحتضن سوريا قيادة حماس الحليفة لهم ، فهل كانت سوريا قبل تلك الفترة تعيش الحرية والديمقراطية والاصلاح المنشود ، ثم انقلبت على كل ذلك ؟ هل عقدت سوريا اتفاق سلام مع اسرائيل ، وافتتحت سفارة لها في دمشق ، وتخلت عن قضية العرب المركزية ؟
اننا مع حرية التعبير ، وحكومتنا ايضا مع حرية التعبير ، فلقد شهد الاردن الاف المسيرات السلمية ، لم يسجل فيها اي نزف دموي يذكر ، والتزمت المسيرات باخلاقيات محددة ، سواء بالهتاف او الشعارات المرفوعة ، ولو كان هناك تطاول او اساءة ، فالمشاركون بالمسيرات سيردعونهم ، فكيف نسمح بالاساءة والشتائم ، وعبارات مخجلة مثل : "يا بشار يا حمار" او "يا سفير يا حقير" ، هل هذه اخلاقيات الاردنيين ، الا تثير مثل هذه العبارات السخيفة استهجاننا ، لو قيلت ضد اعداءنا ، فقد وصلنا الى درجة من الوعي ، رمينا فيه ثقافة احمد سعيد الاعلامية الغوغائية ، وراء ظهورنا منذ عشرات السنين ، كما ان سوريا الشقيقة ، ومنذ الحركة التصحيحية ، التي تسير القيادة الحالية على نهجها ، قد تخلت عن غوغائية اعلام الستينات ، وسعت للتضامن العربي ، فلماذا نسمح نحن بالعودة الى تلك الحقبة السوداء ؟
مالك نصراوين
29/8/2011