بعد مسيرة لعدة ايام لعدد من الأيدي العاملة المعطلة عن العمل من العقبة باتجاه الديوان الملكي العامر طلبا للعون والمساعدة في ايجاد فرصة عمل يعيشون من خلالها بعد ان سكرت جميع الفرص أمامهم في مدينة العقبة، ونقول:-
بداية، مدينة العقبة من أهم المدن في المملكة الأردنية الهاشمية بسبب موقعها على البحر وهي نقطة ربط الأردن بالعالم الخارجي وتستحوذ العقبة على صادرات الأردن واستيراداته بشكل شبه كامل لأنها المنفذ البحري الوحيد في الأردن، وتخدم حركة التجارة العالمية والعربية، وكذلك الأمر تعتبر العقبة أهم موقع سياحي على مستوى عالمي حيث يؤم العقبة مئات الالآف من السياح سنويا للاستمتاع بدفء الجو وغناها بالمواقع الأثرية لأن العقبة والتي كانت تعرف باسم مدينة "أيله" كان لها دور تاريخي كبير في مختلف العصور التي مرت بها هذه المدينة،
وفي العقبة حيث اصبحت منطقة اقتصادية خاصة، الالأف من الشركات والمراكز لكبريات الشركات الأردنية والعربية والعالمية،ويمكننا ىالقول بأن ىالعقبة الآن هي العاصمة الاقتصادية للمملكة الأردنية الهاشمية، وبالتالي فمن الطبيعي جدا أن يكون لمدينة العقبة ممثلة بسلطة اقليم العقبة وشركة الموانىء وشركة الفوسفات وغيرها من المؤسسات المدنية والخاصة المقدرة على احتواء جميع أبناء العقبة وتوفير فرص العمل للعيش الكريم، وللعلم بأن فرص العمل في العقبة هائلة جدا وفيها من العمالة الوافدة ما يفوق اعداد العمالة من مدينة العقبة الأصليين. ناهيك عن سياسة التضييق على صيادي مدينة العقبة الذين يعتمدون على حرفة الصيد لتأمين قوتهم اليومي من هذه المهنة الكريمة، وتراجع ارباح هذه المهنة لدرجة انها اصبحت غير مجدية بالوقت الحاضر لتأمين متطلبات الحياة اليومية للأسر التي تعتمد عليها.
وقد تجمع عمال العقبة من شيبها وشبابها للتعبير عن موقفهم ومطالباتهم المستمرة من السلطات هناك بتوفير فرص العمل لهم لفترة طويلة امتدت شهورا في وسط مدينة العقبة ولم يجدوا أذنا صاغية بل وجدوا " أُذناً من طين وأُذناً من حديد " مما دفع هولاء الشباب للجوء الى الديوان الملكي العامر سيرا على الأقدام طلبا للعون والمساعدة لتوفير فرص عمل كريم لهم.
وحال وصولهم مضارب بني هاشم استقبلهم رئيس الديوان الملكي العامر الذي تفضل مشكورا بحل فوري وعاجل لهم ومخاطبة من يلزم للتشغيل في الشركات والمصانع وفي القوات المسلحة والدرك والدفاع المدني، تلبية لطلبات هذه المسيرة . وبهذا تنتهي هذه الوقفة لهؤلاء الشباب وهم طيبو الخاطر.
ولكن تبقى المشكلة قائمة لأنها مرتبطة بالوضع الاقتصادي المهلهل والمنهك من الضرائب والرسوم التي لا تنعكس ايجابا على دافعي الضريبة وعلى سبيل المثال هنالك صاحب مصنع لانتاج بعض المواد الغذائية لنقول الشيبس مثلا او الألبان وتفرض عليه ضريبة وهذا امر جيد حتى لو كانت مرتفعة ولكن أن تقوم الدولة بفتح السوق لاستيراد السلعة ذاتها من الخارج لضرب المنتج الموطني فهذا لا يقبله عقل، ومن أبجديات العمل ىالاقتصادي أن تكون هنالك الحماية الكافية للمنتج الوطني، لا بل تقوم الحكومة عن قصد او عن غير قصد وبالحالتين مصيبة كبرى بإغراق السوق بهذه السلع الأنمر الذي يؤدي الى اغلاق هذه المصانع وتسريح العاملين بها لنساهم بتدمير مئات الآلاف من الأسر التي يعتمد اصحابها على العمل بهذه المصانع وما يترتب على ذلك من مشكلات وإشكاليات اجتماعية واقتصادية وسياسية كبرى.
إذن نحن أمام مشكلة من أكبر المشكلات التي نعاني منها في الأردن مشكلة البطالة الحقيقية التي تزيد نسبها عن 25% من مجموع القوى العاملة، وعجز ديوان الخدمة المدنية عن توفير فرص العمل للشباب الباحثين عنه، وقصور السياسة الاقتصادية وفشلها في تشجيع الاستثمار وعدم قيام مشاريع اقتصادية كبيرة لتشغيل القوى العاملة لا بل على العكس من ذلك فهنالك عمليات "تطفيش" لرؤوس الأموال والمستثمرين من خارج الأردن لرداءة الاجراءات في وزارة الصناعة والتجارة وطول أمد المعاملة في الحصول على التراخيص والموافقات المطلوبة وسياسة ابتزاز من بعض الموظفين والمتنفذين على هؤلاء المستثمرين واستغلالهم واحيانا وضع العراقيل في وجوههم، وخير مثال على ذلك تلك الجامعة "جامعة العلوم الطبية " على ما اعتقد التي أضحت ضحية لما ذكرت، إضافة الى السياسة الضريبية والجمركية المتزايدة والتي عملت على إبطاء حركة التنمية والتقدم واعاقتها، حيث وصلنا الى حالة من الركود الاقتصادي.
اذن ما هو المطلوب للخروج من هذا المأزق الذي وصلنا اليه؟
نقول اننا بحاجة الى حكومة شابة مؤمنة بالعمل الوطني، وأن يكون لديها خطة واضحة نقوم على محورين اثنين لا ثالث لهما،
الأول أن يكون لها برنامج عمل سياسي واقتصادي متكامل بين وزارات الدولة المختلفة للعمل على تحفيز الاقتصاد والتوسع في الاعفاءات الجمركية والضريبية للسنوات العشر الأولى لأي شركة او مصنع او اية مؤسسة انتاجية تعمل على تشغيل أعداد كبيرة من المواطنين،وتوفير الحماية الجمركية لها ومساعدتها على ايجاد السوق لتشجيع التصدير ورفع قيمة الصادرات مما ينعكس ايجابا على الناتج القومي الاجمالي للدولة وتقليل العجز في الميزان التجاري، على أن يقتصر تقديم معاملات اصحاب رؤوس الأموال من خلال شاشة الكترونية واحدة يحصل المستثمر من خلالها على التسهيلات اللازمة للمعاملة دون اللجوء الى اي شخص او التعامل معه منعا للتلاعب مع المستثمرين او استغلالهم.
أما المحور الثاني فيقوم على العدالة الاجتماعية، والغاء هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وإنشاء وزارة مختصة بمكافحة الفساد او إنشاء محكمة عليا مختصة بمكافحة الفساد لها السلطة المطلقة باستجواب اي شخص مهمكا كان منصبه السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي والتحقيق معه والتشديد في ىاقصى أنواع العقوبات للمخالفين والفاسدين الذين يتلاعبون بالمال العام واستغلال سلطاتهم في العمل لتحقيق مكاسب ومصالح خاصة او مشبوهه، وتعليق المقاصل في الساحات العامة لإعدامهم أمان الناس عامة ليكونوا عبرة لأي شخص تسول له نفسه بالإساءة الى هذا البلد بقصد نشر الوعي بين الجميع بالعدالة وسيادة القانون ومحاربة كل من يحتمي بالعباءة العشائرية او الجهوية والزمر والجماعات والتنظيمات التي يعمل تحت لوائها.
وأختم الحديث هنا بأن ذلك لن يتحقق اذا لم تكن هنالك الإرادة الصادقة والتعاون بين جميع مكونات الشعب لتحقيق الهدف المنشود، ولن يتأتى ذلك الا من خلال وزارة التربية والتعليم وجميع المؤسسات التربوية التي تعمل على بناء الانسان على أسس اخلاقية واضحة وتصحيح المناهج وما اعتراها من تشوهات على مدى ثلاثين عاما خلت واعادة المكانة للمعلم، المكانة التي يستحق فمن خلاله يخرج للمجتمع المهندس والقاضي والدكتور والصانع والتاجر وغيره، فإذا لم يكون هؤلاء محصنين بالمعرفة والمهارة وبعد النظر وتغليب المصالح العليا على الصالح الخاص ومحاربة الغش منذ الصف الأول وتعميق مفهوم المصداقية لدى الطلبة وتقبل الجميع والتعاون معهم، عندها نكون قد خطونا الخطوة الأولى بالاتجاه ىالصحيح.