أخبار البلد -
بعدما أن أوقد ذلك الشاب الطفيلي المكلوم بحقوقه ومستقبله حامل درجة الدكتوراه شعلة نفير وانتفاضة المتعطلين عن العمل حين غادر بلدته أسفا غضبان سيرا على الإقدام باتجاه عمان ترافقه زوجته وأبنائه بعدما ضاق عليه الوطن ذرعا بوظيفة شريفة يجد فيها لقمة عيش كريمة تسد رمقه وتستر حياته وعلى اثر ذلك تداعى شباب الوطن على اختلاف مشاربهم وأجناسهم في معظم المحافظات وبوتيرة متسارعة إلى تنظيم مسيرات راجلة مماثلة حين جمعهم وألف صفوفهم عدم الإنصاف والمعاناة والإهمال والضياع المشترك وقد تقاطرت المسيرات على الديوان الملكي زرافات متوالية يدكون الأرض تحت إقدامهم ويرفعون الإعلام الوطنية بسواعدهم من العقبة والطفيله واربد وعجلون وجرش والكرك والسلط والزرقاء ومادبا ومعان وذيبان والمفرق للمطالبة بتوفير فرص عمل لهم كحق مشروع فرضه الدستور ولإيصال رسالة الى أصحاب القرار للاهتمام بعدالة قضيتهم والوقوف إلى جانبهم والمساعدة في أبواب العمل والوظائف لكل المتعطلين عن العمل رغم ما أحاط بهم من مخاطرعلى سلامتهم وحياتهم من المركبات وبعد المسافة ووعثاء السفر
وما نعانيه اليوم كوطن ومواطنين هو حصاد مر لحقبة حكومات متعاقبة حصرت وحسمت غالبية طرق التوظيف بمختلف درجاتها من خلال المحسوبية والواسطة والشللية والتوريث وتنفيع الأقارب والأصدقاء بعيد عن مبدأ العدالة الاجتماعية ومعايير النزاهة والشفافية ومصلحة الوطن بعدما حولوا ديوان الخدمة المدنية إلى مجرد واجهة إعلانية يلتفون عليه بالتعيينات الشخصية خارج جدول التشكيلات حتى ارتفع عدد المتعطلين عن العمل الى 300 ألف أردني مع مرور السنين وعلى الحكومة الحالية والتي تقف حائرة إمام تلك الإعداد الهائلة التي تجتاح العاصمة أمانة ومسؤولية الحس والإدراك بأن استمرار الأمر ينذر بالخطر الوخيم وهو مقلق للغاية في ظل ظروف صعبة وحساسة يمر بها الوطن والمنطقة بعدما استفحل وانتشر وغطى اليأس والقهر والإجحاف والإحباط نفوس الشباب وسرى في حياتهم كالنار في الهشيم اذ لم يعد الأمر مجرد ظاهرة عابرة موسمية كما كان يفسر رسميا دائما بل أصبحت مشكلة مزمنة ومفجعة لا يمكن إغفالها او التغاضي عنها بالحلول التخديرية المعتادة او الاسترضائية الآنية البسيطة او الالتفافية المكشوفة بالوعود الزائفة والتصريحات المخادعة او التشويه المقصود لأهداف ومرامي المسيرات الشبابية أو التصدي الإعلامي الرسمي الموجه للنيل من مشروعيتها واتهامها من اجل السيطرة عليها ووقفها ثم وأدها دون أي معالجات أو حلول والحد من آثارها على المجتمع بعدما انتظر شباب الوطن كثيرا والعمر لم ينتظرهم وأحلامهم ذهبت أدراج الرياح سدى وغيرهم من أبناء الحظوة والحيتان أصحاب الملاعق والسلاسل الذهبية المحمولين بالسيارات الفارهة والساكنين بالقصور الفخمة ينهبون خيرات الوطن ويتقاسمون مكتسباته ويحتلون وزاراته و دوائره ومؤسساته ويتنقلون في رغد العيش حيث يشاؤون في الوظائف والمناصب والرتب والرواتب
يشكل الشباب في الأردني الطاقة البشرية الحيوية القادرة على القيام بالعمليات النهضوية والتنموية الشاملة لبناء المجتمع إلا أن نسبة كبيرة منهم يعانون من البطالة سواء لدى خريجي الجامعات أو غيرهم من باقي فئات المجتمع نساء ورجال وهم قادرون على العمل ويبحثون عنه إلا أنهم لا يجدونه وكان على الحكومات منذ سنوات عديدة خلت وضع آليات لتقليص البطالة بتوجيه الطلبة وتوعيتهم لطبيعة التخصصات المطلوبة التي تواكب احتياجات السوق مع حثهم للتوجه للدراسات المهنية وليس التعليم الأكاديمي فقط ومساعدتهم بعد التخرج للعمل في المشاريع الحرة والصغيرة وعدم حصرها في الوظائف العامة وإيجاد فرص عمل متنوعة عبر خطة تنموية اقتصادية شاملة وانجاز إستراتيجية اقتصادية لتشغيل الأيدي العاملة بفتح مصانع صغيرة و توجيه النفقات للإنتاج وليس الاستهلاك وخلق بيئة جاذبة للاستثمار والقضاء على البيروقراطية المفرطة وتسهيل الإجراءات ودعوة المستثمرين ورجال الإعمال الأردنيين المغتربين وغير الأردنيين إلى أقامة مشاريع إنتاجية داخلية للمساهمة في الحد من البطالة المتزايدة وهناك خلل كبير في سياسات التشغيل المتبعة في الأردن منذ عقود مما جعل معدلات البطالة تحلق عاليا وجعلت شبابنا اليوم على شفير الهاوية إما في بيوتهم يجلسون بانتظار الفرج أو في المقاهي والنوادي والشوارع نهبا لمفسدة الفراغ والملل والاكتئاب والتفكير بالانتحار نتيجة ضغوط التوتر النفسي الكبيرة وسط حال مزري وأفكار سوداوية تحاصر عقولهم خوفا على مستقبلهم المجهول في ظل تفشّي أزمة البطالة والتي تشكل اكبر التحديات الاقتصادية الراهنة فبعد تخرّج الطالب من الجامعة التي تكلّفه وعائلته مبالغاً طائلة يهرع باتجاه سوق العمل آملاً في تأسيس حياة جديدة مستقلّة إلا أنه يُصدم بأبواب موصدة كأنها خلفت لكي لا تفتح أبدا مما يجعل الشباب عرضة للتفكك الأسري والانحراف والعنف والصدام والصراع مع الآخرين والدخول في عالم الجريمة والسقوط في براثن المخدرات والكحول وألهو الرخيص هروبا مما هم فيه أو يتم استقطابهم إلى معاقل الفكر التكفيري والإرهاب الدموي والكراهية العمياء والتفكير بالهجرة نحو المجهول ثم السخط علي المجتمع والدولة التي تتركهم في هذا الضياع بلا أي حلول مأمولة
ومما يخشى مع واقع الحال قيام بعض الدول والجهات التي تتربص بالأردن وتقف ضد نظام الحكم الهاشمي في الخفاء من استغلال هذه المسيرات واختراقها لإحداث فتنة بإثارة مشاعر الغضب وتعبئة نفوس الشباب بالحقد والضغينة والاتجاه نحو المعارضة والصدام والانفلات والاضطرابات والاعتصامات والرهان على التحركات الشبابية لتصبح كرة حراكية من صنف سياسي جديد تتدحرج مجددا إلى حضن الحكومة لتضاف إلى سلسلة طويلة من المشاكل الحكومية التي لا تزال عالقة بدون معالجة حقيقية وفي المقابل فأن توفير فرص العمل للشباب والاستفادة من طاقاتهم يخلق الاستقرار في حياتهم ويسهم في بناء مجتمعهم ويرفع قيم الولاء والانتماء عندهم ومع هذا الخطر المتسرع لا بد من الإسراع في تنفيذ مشاريع تطوير التنمية الاقتصادية من خلال دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشكل طريقا لخلق فرص عمل جديدة وتحريّك الاقتصاد بطريقة منتجة وقوية فلا يزال معظم شبابنا يعانون من ضعف الخبرة المهنية وغياب التدريب لسوق العمل وعدم جدوى برامج التخطيط وارتفاع نسبة الإناث المتعطلات وعدم المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل بالإضافة إلى نقص واضح في الخدمات الداعمة للتوظيف وقد أصبح ضرورة ملحة الآن إلغاء جميع الهيئات المستقلة ذات الحمولة الزائدة واستثمار أموالها في فتح مشاريع للعاطلين عن العمل وتقديم حلول ومقترحات لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة على مستقبل المجتمع وبنائه التنموي والأخلاقي والنفسي ويذكر ان جميع الإدارات الرسمية أخفقت في استغلال قوة الشباب الإنتاجية العالية ودفعت بمعظمهم الى البحث عن حلول فردية لكن الكثير منهم وخاصة من لا تخدمهم مناطقهم الفقيرة والنائية أصلا لا يجدون إمكانية للنجاح حتى في هذه الحلول الفردية
ومن المعلوم أن ازدياد نسب البطالة مرتبط بنتائج الإصلاح الاقتصادي الذي وعدنا بالكثير ولم يعالج إلا القليل من التحديات ومع تنفيذ المراحل المختلفة منه لم تكن هناك وقفات جادة للمراجعة وظل الخطاب الرسمي طوال سنوات يركز على الانجازات على المستوى الكلي دون التطرق الى أحوال الناس المعيشية بشكل مباشر فظلت البطالة مرتفعة وانتشر الفقر وتراجع مستوى الأجور الحقيقية وساد نهج التراخي في علاج مشكلة البطالة مما يعكس سوء الفهم لأثرها السياسية والاجتماعية والاقتصادية خصوصا أن ارتفاع معدلات البطالة المتزايدة بين الشباب تحديدا، يعني وجود شباب عاطل وغير منتج وتزداد الأهمية النسبية للمشكلة لارتباطها النفسي والاجتماعي والأمني والسياسي، حيث يصبح الشعور المسيطر على الشباب الافتقاد لتقدير الذات والفشل والدونية ولا زال يرفض معظم الشباب العمل في مهن يقولون إنها لا تكاد تكفيهم مواصلات وطعام وغالبية العاملين فيها لا يحصلون على أجور لائقة تفيهم كفاف عيشهم
ومن الضروري هنا ان نستذكر بأسى بالغ تنفيذ الجهات الحكومية ما سمى بالخصخصة المشؤومة إضافة الى الرضوخ الدائم لشروط ومطالب البنك الدولي بإلغاء دور الدولة في الاقتصاد وإيقاف أكثر من 90% من مشاريع القطاعين العام والخاص وتسريح مئات الآلاف من الموظفين والعمال بعدما أغلقت العديد من المعامل والمصانع الإنتاجية والخدمية أبوابها إلى جانب وقف التعيينات في الدوائر الحكومية أو خفضها إلى أدنى الحدود التي تسمح باستيعاب أقارب المسؤولين ومحاسيبهم
وها هو جرس الإنذار يدق عاليا بأن المتعطلين عن العمل غدوا جيشا بعددهم وأعمارهم وقد يهدد كيان الدولة ووحدتها إن لم نجد الحلول المناسبة لهم فدول العالم جميعا المتقدمة والنامية وحتى الفقيرة وجدت الكثير من الحلول لتلافي توسع وتفاقم مخاطر البطالة على المجتمع والمشكلة بجسامتها توجب على مجلس النواب ومجلس الوزراء وعشرات المستشارين والخبراء والمتخصصين ان يتحركوا بفاعلية للوقوف على نتائج وسلبيات استمرار ارتفاع نسبة البطالة وتقديم مقترحات تساهم في تضييق الخناق على أسباب زيادتها فضلا عن الدور المفترض لمنظمات المجتمع المدني والإعلام والجامعات خاصة كليات الإدارة والاقتصاد في ضرورة المشاركة الفاعلة والتوصل لحلول عاجلة حتى ولو كانت مؤقتة لمكافحة أخطر مرض يهدد الكيان الاجتماعي والتنموي والإنساني ومستقبل أبنائه على المدى القريب والبعيد ولان البطالة تعتبر أزمة كارثية بكل المقاييس تغتال أحلام الشباب وتقتل طموحاتهم وتدمر حياتهم يجب عدم تجاهلها او تأجيل التخلص منها لوقت آخر لأنه في كل يوم يمضي تتزايد فيه معدلاتها بطريقة رهيبة ومخيفة وبالتالي يزداد الخطر على المجتمع
وقد سجل رئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي موقفا استبقيا ايجابيا ومتقدما بعد لقائه بممثلين عن متعطلي محافظة العقبة بعيدا عن تدخل رجالات الحكومة حيث نزع فتيل الغضب من نفوسهم بعد إبلاغهم وعده بتعين من هو دون الثلاثين من العمر من أبناء العقبة المتعطلين عن العمل بالأجهزة الأمنية والعسكرية بالإضافة إلى توظيف المتبقين منهم بشركات القطاع الخاص في مدينة العقبة وتوفير ما مجموعه 350 فرصة لأبناء العقبة ومع شكرنا وتقديرنا لهذا الاهتمام المبكر والحكمة البالغة التي يتحلى بها معالي أبا حسن إلا إننا نسال ماذا بشان متعطلي باقي المحافظات هل سيكون لهم من كعكة التوظيف نصيب عدل وحصة إنصاف وهي ساخنة وطازجة نرجو ذلك عاجلا
يشار إلى أن بيانات حكومية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة حول معدل البطالة أظهرت ارتفاعا كبيرا في معدل البطالة الذي شهده العام الماضي والذي وصل إلى (18.3%) بين الأردنيين بينما بلغت البطالة في صفوف السكان الأردنيين وغير الأردنيين معاً (18.1%) وبلغت بطالة الإناث الأردنيات (31.2%) مقابل (14.7%) للذكور الأردنيين وسجلت البطالة في صفوف الأردنيين من الفئة العمرية (15-24) سنة (37.3%) مقابل (30.4%) لغير الأردنيين
وأخيرا ندعو إخواننا وأخواتنا الخريجون بالعمل في القطاع الخاص والمشاريع المختلفة التي قد تؤمن لهم دخلا واستقرارا ولو بشكل مؤقت لحين وجود الأفضل لأن الوظيفة الحكومية لا يحصل عليها المؤهلين ذوي العلم والخبرة والكفاءة بسهولة في زمن الواسطات الجائرة والعوالق الدموية واللوبيات المتشعبة والمافيات المسيطرة وان الإبداع والتميز والمهنية والاحتراف يكون متوفر دائما بشكل أكبر في العمل الخاص منه في الحكومي
mahdimubarak@gmail.com