يبدو أن كثرة الحديث عن حالة الارتباك التي نلمسها في التعامل مع وضع استثنائي نعيشه جميعا قد جر البعض إلى الحديث عن الدولة وكأنها على وشك الانهيار لأنهم يخلطون بين ما يرونه سيئا ومقلقا في مستويات محددة ، وبين قوة الدولة وثبات كيانها وقوة حضورها في هذه المنطقة من العالم ، ذلك على ما يبدو بحاجة إلى مراجعة وطنية عاجلة للمصطلحات والمواقف على حد سواء !
ما ندركه جيدا أننا نواجه وضعا اقتصاديا صعبا ، أسبابه كثيرة وواضحة أيضا ، فشل في السياسات الاقتصادية ، وانعكاس سلبي للأزمات والحروب والانهيار السياسي والاقتصادي في الإقليم الذي ننتمي إليه ، وإصلاح هذا الحال ليس مرتبطا بما يمكن أن تتخذه الحكومة من إجراءات لمعالجة أزمتنا الاقتصادية فقط ، بل بمدى الانفراج في العلاقات الإقليمية أيضا ، ومدى استعداد الدول المانحة لمساعدتنا على تجاوز الأعباء التي تحملها الأردن نتيجة سياساتها في المنطقة ، ومنها كلفة التصدي للإرهاب ، فضلا عن إيواء اللاجئين السوريين .
تلك مسألة شائكة في مجملها ، ولكنها الاختبار الحقيقي لقدرة الدولة بجميع مكوناتها على إعادة ترتيب أولوياتها ، وتنظيم خطواتها ، ورسم إستراتيجيتها للمرحلة المقبلة ، أما الكلام المتزايد عن الإصلاح السياسي ، وعن المحافظين واللبراليين ، فذلك نوع من رفاهية سياسية ليس هذا وقتها ، وليست أولوية تعلو بأي حال من الأحوال على أولوية دولة القانون والمؤسسات ، فالقوانين والأنظمة والتعليمات التي تتضارب مع بعضها بحاجة إلى مراجعة فورية ، والمؤسسات التي يبدو بعضها عاجزا عن القيام بمهامه على أفضل وجه ، بحاجة إلى إعادة هيكلة حاسمة وعاجلة !
لا أقلل من شأن الإصلاح السياسي ، ولكن هل نملك وصفا دقيقا للوضع الذي ننادي بإصلاحه، وهل نحن متأكدون من أن الأردنيين يريدون الانخراط بأحزاب سياسية ، حتى نضع تلك القاعدة منطلقا لإصلاح سياسي ، وهل يقلل من شأننا لو قلنا نحن بحاجة لإصلاح إداري بالمعنى الأشمل لإصلاح وحوكمة مؤسسات الدولة العامة والخاصة ، حتى تكون قادرة على تحمل مسؤوليات المرحلة الراهنة ، والتخطيط للمستقبل القريب ؟
النقاش والكلام في إطار الدولة التي صمدت في وجه التحديات الأكبر والأخطر أمر منطقي وإيجابي ، أما إنكار الدولة أثناء الحديث عنها ، فذلك خطأ سياسي فادح !