تلك هي منطقة الشرق الأوسط في الماضي والحاضر ، المنطقة التي لا تستريح أبدا من الصراعات والنزاعات وتبدل العلاقات والتحالفات ، والأردن جزء من هذه المنطقة بل في صميمها ، يقف على حافة الأزمات كلها ، يعيد التوازن تلو التوازن ، من يوم لآخر حسب التطورات والمستجدات ، ويحافظ على عدم التورط أو الانزلاق في أي من الصراعات المحتدمة ، ويتمسك بموقفه القوي ليس نئيا بالنفس ، ولكن من أجل أن يظل مرجعا للحقيقة والصواب حين يتذكر المتصارعون أنه سبق وأن حذرهم من الصراع ، ومن عواقبه .
ما زالت السياسة الثابتة للأردن تقوم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير ، وإن كان يقرأها بعمق ، وبقدر ما يتأثر بها بحكم الجوار أو الامتداد الجغرافي ، ودائرة الاهتمام عنده تضم فلسطين والعراق وسوريا ولبنان ومصر والسعودية واليمن ، أما الجوار الإقليمي الأكثر تعقيدا فيتمثل في إسرائيل وايران وتركيا ، فضلا عن الحضور الدولي في صراعات المنطقة ممثلا بالولايات المتحدة وروسيا بصورة مباشرة ، وأوروبا بدرجة أقل .
هذا هو وضعه الجيوسياسي ، الجغرافية ثابتة ، والسياسة متحركة متقلبه ، وإن كانت جغرافية دول في الجوار ، متحركة أيضا بالاختراقات المباشرة أو التأثير عن بعد ، شيء يشبه الرمال المتحركة ، ومع ذلك فالأردن واقف في مساحة يأتي إليها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للتباحث في مسألة التحالف العربي التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي مايك بمبيو خلال جولته الأخيرة ، طبعا إلى جانب علاقات التعاون الثنائية ، وجلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين يسافر إلى بغداد ، ليصف الرئيس العراقي برهم صالح الزيارة بالتاريخية ومشهود لها عند العراقيين جميعا ، وعمان تستقبل الفرقاء اليمنيين من أجل بعد إنساني يتعلق بإطلاق سراح الأسرى ، وربما تصب تلك المسألة الفرعية لاحقا لصالح إنهاء الصراع في اليمن .
تلك الحيوية وغيرها مما لا يتسع له المقام ، لا تحدث لبلد بلا موقف أو دور ، يستحيل أن يضيع أحد وقته في هذا الوقت بالذات بتحرك دون دوافع موضوعية ، في اعتقادي سيكون للأردن دور فاعل في المرحلة المقبلة ، وإذا كان هناك من ينادي بضرورة أن يعيد حساباته من جديد للتعامل مع ما هو قادم ، أستطيع أن أقول أن شيئا ما يجري على أرض الواقع ضمن الحسابات التي حسبها من قبل ، ولا شيء ينقصه سوى أن يدير أزمته الاقتصادية بجدية وحنكة واقتدار ، ويا ليت يعرف المسؤولون عن ذلك أن نقطة ضعف الأردن الوحيدة هي بين أيديهم !