رئيس وزرائنا رجل عسكري لا يحترف السّياسة ولعله غير مؤهل لها وأظنّه غير راغب بها (جهد بلى)، وهذا يعني أنّ الحكومة الحاليّة هي إداريّة وليست سياسيّة البتّة، ورغم أنّها إداريّة؛ فإنّنا لغاية اللحظة لم ننتظر أو نرى منها أدنى تغييرات جذريّة، فقط ما عشناه معها ولاحظناه هو أنّها سلكت عناداً حكوميّاً غير مُبرّر، فاتسم أداؤها ببرود الأعصاب الذي يثير في كلّ دقيقة أعصاب النّاس ومشاعرهم، وبعدم العجلة لدرجة الوقوف أو (مكانك سر)، وبالتّأنّي والتّعقُّل لدرجة الخوف والتّردّد.
رئيس وزرائنا شريف نظيفُ، ويشهد له الجميع بالطّيبة والاحترام، فهو قد جاء كخبيرٍ ومن التكنوقراط، لكنّه...؛ ليس سياسيّاً، ولصدقة وصراحته وبساطته؛ لن يزعم ذلك أو أنّه سيأكل (لقمة) ليس له...، ورغم أنّه (معروف)؛ إلّا أنّه لم يكن معروفاً بأي نشاطٍ سياسيّ، أو انتمائه لحركة فكريّة أو لتنظيمٍ حزبيٍّ يُذكر، وهو ما جعل أداءه نظيفاً طيّباً ونقيّاً أبيضا، وهو ما يعني في (دهاليز) السّياسة أنّه لم يكن ولن يكون في أدائه حازماً حاسماً أو على أقلّ تقديرٍ مؤثّرٍ، فلم نجده وقد سرق الأفئدة والألباب، أو أنّه قد كسب قلوب الجماعات أو لنقل المجتمع، لذا...؛ من الطّبيعي والواقع أن الجميع (رسمي شعبي) قد تعامل معه كمديرٍ لمدرسة ثانويّة مُختلطة وليس رئيساً لوزراء، هذا في حال أضفنا أنّه قام باختيار أعضاء وزارته (عَ البركة) وحسن النّيّة، أو (عَ السّبحانيّة)، فجاءت حكومته (مُحيِّرَة محيَّرَة)...، مشلولة غير انتقاليّة، مُرتبكة مُعطّلة لا تيسّر أعمالاً، متعثّرة مؤّزّمة مأزومة...،فلا تدير أقلّ الأزمات بل أحياناً عن قصدٍ أو غير قصد هي من تفتعلها وتصنعها!
أمّا أحزابنا؛ فهي ضعيفة وأغلبها هشّة، وسواد قياداتها ضحلة وفارغة في المكانة والقيمة السياسيتين، والكثير من هذه الأحزاب لا يزال خداجاً أو ينتظر الفطام، وزيادة على دوافع ونزوات مؤسسيها؛ فهي لا تملك الخبرة وليس لديها ذلك الشّخصيّة الرّمزيّة القياديّة التي يمكن أن يلتفّ حولها الجمهور والنّاس...، وعليه...؛ فإنّ أحزاب بهذا الواقع وتلك المواصفات لا يمكن لها حماية قيم ومبادئ حركات الإصلاح والتّغيير، أو على أقلّ تقدير الاستفادة إيجابيّاً من قيامها وقوتّها؟
أمّا إخواننا (جماعة الإخوان)؛ والذين لا يُنكر اثنان نتيجة لتنظيمهم المؤسّسي المحكم بأنّهم الأكثر حضوراً في الشّارع الأردني، والأقوى تأثيراً فيه بالقياس مع الأحزاب الأخرى هنا وهناك؛ إلّا أنّهم قد تعاملوا مع ثورة الأردنيين السّلميّة نحو الإصلاح والتّغيير على اعتبار أنّها فرصة لا تُعوّض، ومكاسبها غنيمة أو صفقة مناسبة تمكّنهم من المجاراة واللعب، لا بل التّلاعب والضّغط على صديقتها اللدودة – الحكومة – وأصحاب القرار لعلّ وعسى أن تفرض قانون انتخابي يمكنّها بالوضع العادي والطّبيعي من السّيطرة على السّاحة الانتخابيّة والفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس النّواب في المستقبل القريب، وبالتّالي تشكيل حكومة برلمانيّة منتخبة والتي حتماً ستؤول إليهم وهم ونحن جميعاً على يقينٍ من ذلك في ظلّ انتخابات نزيهة وشفّافة، فهم يعتبرون أنّ (اللقمة صارت بالثّم)، وألسنتهم على وشك بلعها وهضمها، وهو ما يعني أنّهم سيجمّدون الآن ثورتهم الإصلاحيّة أو تخفيف حدّتها ووتيرتها منتظرين ما جنته من نتائج ولعلّ فيها ما يستحقّ أن يُحصَد أو يُقطَف وليتمّ خزنه في زوّادتها التي تخصّها فقط وليس في زوّادة كلّ الأردنيين!
أمّا شباب التّغيير وناشطو حركات الإصلاح مشكورين مقدّرين على حماسهم ونقائهم؛ فهم ليسو زعماء سياسيين أو شخصيّات يمكن لها أن تصنع المستقبل المرجو أو تضع خططاً أو تفرض شروطاً، فهم عفويين فقط وأصحاب ضمائر حيّة وحرّة، ولكن حسب رأيي؛ قدراتهم لن تساوي أبداً توجّهاتهم ورغباتهم ذات السّقف العالي في المطالبة، وإمكاناتهم لن تساعدهم أو تسعفهم في إيجاد أو صنع أحلامهم وأمنياتهم المأمول فيها، ويطمحون بها، وهنا نجد أنّ آمال إصلاحهم وأحلام تغييرهم قد اصطدما وتعثّرا في كوابيسهما...، فاختلط الحابل بالنّابل بعد أن تشابهت واختلطت المواقف والصّور، وتحلّلت الأضواء والألوان، وتداخلت وتشعّبت الخطوط والمداخل...!!!
لا بدّ من التّذكير بأنّ هناك حركات إصلاح وتغيير سلميّة مستمرّة ولديها القدرة على انتزاع نسبة عالية من مطالبها الكثيرة والضروريّة للوطن والمواطن، ويحصل ذلك في حال تمّ توحيد الهدف والمطلب وجعله واضحاً بارزاً، وهو ما يفرض توحيد الجهود والاتجاهات على قلب أردنيٍّ مُصلحٍ أو مغيِّرٍ واحد... .
ولا بدّ كذلك من التّذكير بأنّ الخوف ليس من أن تتوقف أو تتلاشى حركات الإصلاح والتغيير السّلميين في أردننا الشّامخ الأبي، فلهما أن يستيقظان في أي وقت ولحظة بعد توحِّدٍ وإصرار وتصميم، لكنّ الخوف أن يقع نجاحهما في جعبة سياسيين ورجال دولة يفقهون في كلّ شيءٍ ما عدا السّياسة وإدارة الدّولة...، أو في يد نوّابٍ لا ينوب أكثرهم ولو عن نفسه أو كلامه!
الوحيد الذي لديه القدرة على حماية قيم ومبادئ حركات الإصلاح والتّغيير في الأردن والاستفادة منها نحو أردنٍّ أبهى وأجمل؛ هو ذلك الذي يجب أن نلتفّ حوله جميعاً بعقولنا بعيداً عن قلوبنا، فالقلوب لا يعلمها إلّا الله، عدا عن أنّ القلوب لوحدها لا تصنع أوطاناً، وعلى الأغلب لا تُحافظ عليها أو تحميها...؛ إنّه سيّد البلاد وقائدها، فلنشجّعه بعقولنا وقلوبنا معاً إن أردنا أن يبقى لنا وطناً ولا يُطلق عليه بأيِّ حالٍ مهما كان سوى (الأَرْدُنَّ)...؟!
shahimhamada@yahoo.com