أخبار البلد - بداية ان تهدئة الغضب الشعبي والسيطرة على الموقف قبل ان يخرج عن جادة الصواب والعقلانية هو مطلب عاجل وملح لكل محب للاردن ويحمل في قلبه وضميره حرص وافر على صيانة مكتسباته وحماية منجازاته ومسيرة ابنائه ومستقبلهم والأمن الوطني والمحافظة على الاستقرار يقتضي عدم مواجهة ومصادمة الناس في قناعاتها وضرورة تفهم اسباب الغضب الشعبي والتي يأتي في المقدمة منها الظرف الاقتصادي القاهرة وان هذه الظروف بالذات غير مناسبة لتسعير الغضب الشعبي وجعل الوطن يقف على حافة الانفجار لا قدر الله وليس مبرر لأي حكومة المغامرة باستقرار الوطن والإقدام على خطوات غير محسوبة فبعد أيام من نشر الجريدة الرسمية لقانون «ضريبة الدخل» المعدل بعد إقراره من قِبل البرلمان توافد الأردنيون المحملون حد الثمالة بالقهر والفقر والإحباط إلى محيط الدوار الرابع الشهير الذي أصبح رمزاً للاحتجاج وتجمُّع المتظاهرين الغاضبين على السياسات الحكومية ليعبروا عن مطالبهم بصورة سلمية وأخلاقية وحضارية ولم يردعهم الطقس البارد أو هطول زخات المطر من المضي قدما في اعتصامهم وسط هتافات ذات سقوف عالية ومتصاعدة تطالب بتحسين الأوضاع للمواطنين ورحيل حكومة الرزاز التي لم تزد الأردنيين إلا فقراً وجوعاً وتردياً في الأحوال الاقتصادية ( حسب زعمهم ) و التي لم يمضِ على تشكيلها سوى شهور بعد إسقاط حكومة سلفه هاني الملقي على يد المحتجين الغاضبين الصيف الماضي من نفس المكان
بالإضافة الى المطالبة بإلغاء بند فرق أسعار الوقود في فاتورة الكهرباء وإسقاط قانوني ضريبة الدخل والجرائم الإلكترونية والإبقاء على دعم الخبز والإفراج عن معتقلي الرأي و تسريع إصدار قانون عفو عام وحل مجلس النواب والذي أخفق وبشكل جلي في أن يعكس أولويات المواطن الأردني وتشكيل حكومة انقاذ وطني وتنفيذ جملة من الإصلاحات الإدارية والسياسية الضرورية ورفع القبضة الأمنية والإدارية وتخفيض أسعار المحروقات بما يتناسب وسعرها العالمي وقد جاءت احتجاجات الأردنيين هذه المرة مع تفهم الحكومة وتأكيدها رسميا على أن التظاهر والاحتجاج السلمي حق مكفول للمواطنين بموجب الدستور والقوانين والأنظمة المعمول بها في الوقت الذي يفهم فيه المواطنين ان التصريحات الناعمة والمواعيد المتكررة و الفارغة من مضامينها للحكومة لا تضع الأكل للناس الجياع على الطاولة ولا تزيد منسوب الوظائف لآلاف الخريجين ولا ترفع دخل العائلة المحدود والمتهالك وهم يرون حكومتهم عاجزة عن ابتداع موارد إضافية وفاشلة في تقليص مستوى البيروقراطية المتمدد مع ملاحظة هروب المستثمرين المحليين للاستثمار في الخارج وعزوف الاستثمار الأجنبي عن الاستثمار داخل البلاد فعلى الحكومة إمام هذا الواقع المرير مرة ثانية ضرورة تفهم أسباب الغضب الشعبي والتي يأتي على رأسها الوضع الاقتصادي الصعب حيث تكتوي بناره الطبقة الفقيرة منذ سنوات وهي تصطلي بنار الحاجة وعدم القدرة على تلبية متطلبات الحياة البسيطة بعد إفقارهم وتحميلهم المزيد من الأعباء المعيشية
فالكلام الإنشائي الذي يصدر عن أعضاء الحكومة ورئيسها والناطق الرسمي لا يلقى الصدى المطلوب عند الناس في ظل عجز واضح في معالجة قضايا الفقر والبطالة والارتفاع الجنوني للأسعار وهي التي أدت إلى تآكل دخل الأسر الأردنية ولا يوجد برنامج حقيقي عند الحكومة للتصدي لهذه التحديات بعيد عن سياسة الجباية وجيب المواطن
والحكومة لم تعد قادرة على إقناع الناس في خطابها الممل والناس لا يريدون أقوالا بل أفعالا تهم حياتهم فلا بد من محاربة جادة للفساد وبشفافية عالية وتصحيح أداء الدولة ومؤسساتها بشكل عاجل وملموس
وحتى لا تجد انفسنا يوما في مواجهة ما نحذره ونتخوف من وقوعه وقد نلتحق لا قدرالله بخانة البلاد المضطربة في الجوار والإقليم ونخسر الانجازات التي تحققت على صعيد حفظ الاستقرار في ظل الظروف الصعبة والتي أعطت الاردن ميزة إضافية اذا احسن استثمارها في المستقبل وربما تجعله قبلة لاستقطاب الاستثمارات و تفيد في خلق بيئة استثمارية جاذبة لمجتمع رجال الأعمال العرب وتكريس الأردن كإحدى الدول المستقرة وهي ميزات قادرة على رفع كفاءة الاقتصاد الأردني والذي يحتاج الى توفر الية في ضمان الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد مما يحسن من اداء القطاعات الاقتصادية المختلفة وبالتالي زيادة موارد الدولة بدلا من اللجوء الى الخيار الاسهل في الحصول على المال والمتمثل برفع الأسعار وزيادة حجم الضرائب والرسوم ووضع المواطن في مواجهة خيارات التطرف والمغالاة في التعبير عن متاعبه والآمه الوطنية وزيادة الاعباء المعيشة واللجوء الى العديد من الخطوات الحكومية الجائرة التي تدفع مزيد من المواطنين الى صف المعارضة ومواصلة فعاليات الاحتجاج والتذمر دون اعتبار من الحكومة لخصوصية الظرف واحتمالية انفلات الشارع وبدلا من سياسات التجاهل والركون إلى تفسيرات تآمرية والتهامية وممارسة التخوين والتهويل فمن الأفضل التفكير بعقل هادئ ومتزن لماذا يصر الشباب الحراكيون على ذلك مع أن عددا منهم سجن وحوكم بسبب ذلك من قبل وما يقومون به أفعال تشكل جرائم بنصوص القانون الأردني
وبخطأ من بتصور ان إعادة الناس من الشارع الى بيوتهم بقوة الأمن الجبرية والاعتقال أو بغيره من الوسائل الاجتماعية والإعلامية سيحل الأزمة القائمة من جذورها ويجانب الصواب أكثر من يعتقد ان تمرير القرارات الاقتصادية الأخيرة رغم احتجاجات الناس سيسجل كانتصار للدولة والحقيقة ان حل الازمة يحتاج الى قرارات شجاعة تطمئن الناس على حياتهم وكرامتهم وإرادتهم وان هذا الحراك الشعبي يجب أن يتم التواصل معه ايجابيا سعيا للاحتواء الايجابي و ذلك بتحدي المشاكل و مواجهة المطالب المشروعة بحلول واقعية و عملية يلمسها المواطن في حياته تبدأ بالحوار البنّاء الهادف للوصول لقوائم مشتركة فالشعب و الحكومة في خندق الوطن ومن الافضل اعلان النوايا الحسنة من قبل الحكومة الرشيدة حول نهج سياسي اقتصادي جديد يحمل مضامين حقيقية و قريبة من الواقع تبدأ بالعمل الجاد على محاربة الفساد وتبني قرارات حاسمة بالعلن يستطيع المواطن أن يلمسها و يراها
والمهمة العاجلة للدولة اليوم هي استعادة الأردنيين من الشارع وإعادة نسج علاقتها معهم على اسس جديدة تاخذ بالاعتبار احولهم المعيشية وتوفير الخدمات الرئيسية من نقل وصحة وتعليم واستعادة المواطنين ليست عملية سهلة لأنها تحتاج الى بناء جسور جديدة تقوم على المساءلة والشفافية ومكافحة الفساد وجلب الفاسدين ومكافحة التهرب الضريبي وإصلاح الأدوات الضريبية والغاء الضريبة الجائرة على فاتورة الكهرباء والمسماة فرق محروقات لأن الوطن بحاجة الى مناخات إيجابية وطنية تنبذ التشنجات والفتن والخطابات عالية النبرة التي تحاول ان تفرق الأردنيين ويعلم دولة رئيس الوزراء د. عمر الرزاز إن التحدي الأبرز الذي يواجه حكومته يكمن في استعادة ثقة المجتمع بها وبأجهزة ومؤسسات الدولة وهو مؤشر من شأنه أن يدق ناقوس الخطر بشكل متسارع اذا ما استمر على حاله حيث لم يعد مقبول على الإطلاق ان يبقى المسؤول في قمقمه يعيش حالة التنظير المفرطة والتبرير المطلق لواقع الأزمة الحالية للاقتصاد الأردني ويدعوا المواطنيين بان يتحملوا الضغوطات التي تعاني منها البلاد لأنه لا يوجد حلول في الأفق المنظور وكانه يطالب الشعب كامل بأن يدفع أخر قرش في جيبه حتى تمتلأ جيوب المسوؤلين ممن نهبوا المال العام والمعونات الخارجية ولا زالوا يتاجرون بالوطنية وهم منها براء لقد تم تهميش المواطن كثيرا وطويلا وأبعد عن جميع القرارات التي تخدم مصلحته بل وتم تجريمه لمطالبته بأبسط حقوقه التي أكلها وشرب عليها الفاسدون
فمنذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي ونحن نسمع الوعود الكاذبة للحكومات المتعاقبة أن المعضلة ستحل وأن البلد سيخرج من عنق الزجاجة عن قريب وانتظرنا حتى دخلت البلاد في نفق مظلم وطويل ولتعلم الحكومة ممثلة برئيسها أنه لن تعود عقارب الساعة في الى الوراء بعد كل هذا الظلم و القهر و الفقر و التهميش للناس ودفع العديد من الشباب للتحرك نحو الشارع وحتَّى نحمي الوطن والدولة من الانهيار الاقتصاديّ الذي تقود البلاد إليه الحكومات المعيّنة المتعاقبة التي فرّطت بمقدّرات الوطن وباعت مؤسَّسات الشعب وثرواته الطبيعيّة بأبخس الأثمان وأفسدت الحياة السياسيّة وجرَّفتها نحو الهاوية وقد ترافق ذلك كلّه مع تدنّي الخدمات الصحيّة والتعليميّة وتردّي البنية التحتيّة والانسانية
فعلى الحكومة الاستماع جيدا الى ضمير الشعب لا الى اوامر وتعليمان المنظمات الدولية والمعونات المُسيسة وبعض القائمين عليها من مسوؤلين تاجروا بالوطن والمواطن ولا بد من تغيير منهج اختيار رؤساء الحكومات وطريقة تشكيل الفريق الوزاري بحيث تكون حكومات برامجية واضحة في رؤيتها ورسالتها وأهدافها وخطواتها وتتمتع بقسط وافر من التمثيل الشعببة وإعادة الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها وتحسين الظروف الاقتصادية والمعيشية للمواطنين ولا بد من تحقيق العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والالتزام بمبدأ الكفاءة والجدارة كمعيار أساس ووحيد للتعيينات في المناصب الحكومية العليا واطلاق طاقات الاقتصاد الأردني وتحفيزه ليستعيد قدرته على النمو والمنافسة وتوفير فرص العمل وفي الحتام فان أهم ميز للحراكات والاحتججات الاخيرة انها كانت بعيدا عن تسابق الأحزاب الحساسية والنقابات والاتحادات او اي شكل من اشكال التنظيم ولم يحدث أي من اعمال الشغب أو التخريب وفي كل ذلك دليل على مستوى الوعي ومشاعر الانتماء و الولاء للدولة والنظام ونقاء وصفاء خلق الجماهير الأردنية وإيمانها بتراب الوطن وعدم السماح باستثمار مسيرة الحراك بأي صبغة سلبية او تلويثه بأي ممارسات عبثية بما طرحوا من مطالب وطنية محقة
ويسجل لقوات الامن انها تعاملت بشكل وطني وواعي مع الاعتصامات والتظاهرات ولم يسجل أي حالة عنف او شغب حمى الله الاردن أرض وقيادة وشعب
________________________________________
،