|
تربطني بالاخ العزيز الدكتور محمد سلمان، وزير الاعلام السوري الاسبق علاقة صداقة وزمالة حميمة وثابتة وقديمة تعود الى اكثر من عشرين عاماً، بعدما كان قد عرّفني عليه في مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي، الصديق والرفيق المرموق سامي عطاري، عضو القيادة القومية لحزب البعث الحاكم في سوريا·· وهو اردني بالمناسبة، ولكنهم في سوريا لا يتوقفون في مسلكياتهم عند الهويات القطرية·
لا يحتاج الدكتور سلمان الى تقريظ او تقديم او تعريف، فهو شخصية سياسية واعلامية معروفة على الصعيدين الوطني السوري والقومي العربي، وقد سبق له ان اشغل منصب وزير الاعلام في بلاده لما يقارب ثلاثة عشر عاماً متواصلة، استطاع خلالها ان يحقق نهضة اعلامية ودرامية شاملة اسست لكل هذا المستوى المتميز راهناً من الانتاج الفني والدرامي السوري الذي تفوق حتى على مثيله المصري·
اما مناسبة حديثنا اليوم عن الدكتور سلمان، فتعود الى المؤتمر الصحفي الذي عقده الاسبوع الماضي في دمشق، وطرح فيه - باسم كوكبة كبيرة من البعثيين المخضرمين ورجال الحرس القديم - مبادرة سياسية رصينة ومتزنة تستهدف الخروج العاجل بسوريا من ازمتها القائمة، عبر اعتماد الحل الذاتي او الوطني الذي يتيح للوطن السوري تصويب مسيرته من داخله وبمجهودات ابنائه، وليس عبر اية تدخلات او املاءات خارجية·
مبادرة الدكتور سلمان ورفاقه الغيارى على الوطن، يمكن اعتبارها نهجاً وسطياً او خطاً ثالثاً بين نهجي الحكم والمعارضة، فهي متجردة تخلو من الهوى والغرض والمزايدة، وهي موضوعية تأتي خالصة لوجه الله والصالح السوري العام، وهي عقلانية تتوجه منذ البداية الى الرئيس بشار الاسد بالدعوة "الى ترؤس مؤتمر وطني شامل يضع الحلول الناجعة للخروج من الازمة الراهنة التي يمر بها البلد، وتحتم على المواطنين المخلصين ان يبادروا الى انقاذ الوطن من محنته"·
ولعل من المستحسن والمفيد في هذا الصدد، نشر ابرز وقائع ذلك المؤتمر الصحفي للصديق الدكتور سلمان الذي استعرض خلاله اهم بنود تلك المبادرة الوطنية الديموقراطية التي اعترفت جهاراً نهاراً "بقوتي السلطة ومعارضة الشارع"، وتعهدت بالعمل على "ايصال رأيها للشارع والسلطة التي يترتب عليها تحمل المسؤولية في جمع شمل المعارضة"·
لقد انتقد سلمان قيادة الحزب الحالية لأنها "قامت على سياسة إقصاء قيادات الحزب، فقيادة الحزب الحالية ومنذ عام 2000 سارت على سياسة الإقصاء لمعظم المسؤولين الذين كانوا في الحزب والدولة، وهؤلاء المسؤولون لا يستطيعون الوقوف متفرجين"·
كما انتقد وزير الإعلام الأسبق السياسات الاقتصادية بشدة وقال "بعد العام 2000 غض الحزب النظر عن سياسة اقتصادية لا علاقة لها بتوجهات حزب البعث بل تركت الاقتصاد يتوجه إلى اقتصاد السوق ما أدى إلى فوضى وسوء توزيع في الدخل الوطني"·
واعتبر الوزير سلمان ان المواقف التركية بمثابة تدخل في الشؤون السورية موضحا "أن الموقف التركي عبارة عن تدخل علني في شؤون سورية، وكذلك الموقف السعودي فكله طرح واحد متناغم فيما بين اطرافه، وهو مرتبط مع الموقف الدولي" مشيرا إلى "أن السوريين قادرين على إيجاد حل لمشكلاتهم"·
وبشأن حالات التجييش الطائفي اكد سلمان أنه لا "تستطيع طائفة لوحدها أن تفكر بحكم سورية"· لكن سلمان لفت إلى أن أحدا لم يسمع أيا من اطراف المعارضة الوطنية يتحدث عن الطائفية كما أن هذه المعارضة لا تمارس العمل الطائفي"·
وقد اعتبر "البرنامج المرحلي" للمبادرة التي أطلقها سلمان "أن استمرار الحل الأمني، خياراً واستخدام القوات المسلحة واعتقال الآلاف، يضع العصي في عجلة التغيير السياسي المنشود"، مؤكدا على "ضرورة أن يبذل الجميع - معارضة وسلطة - اقصى الجهود للحيلولة دون وقوع أمرين خطيرين على حاضر الوطن ومستقبله، وهما الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي من جهة، والتدخل الأجنبي عموما من جهة أخرى"·
وتهدف المبادرة التي تضم في عضويتها وزراء سابقين وأعضاء سابقين في القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم واساتذة جامعات ومثقفين "إلى سلامة الوطن ووحدة الشعب واعتبار المقاومة بكافة أشكالها وأساليبها الخيار الاول لتحرير الجولان والأراضي العربية المحتلة· وكذلك الانتقال السلمي في سورية من نظام الحكم الذي قام على منهج سياسي يعود إلى مرحلة حركة التحرر العربية والحرب الباردة باسم الديمقراطية الشعبية إلى نظام حكم ديمقراطي برلماني، أي الديمقراطية التمثيلية"·
ومن الأهداف التي وردت في مبادرة سلمان أيضاً استعادة الحياة السياسية التعددية (تعدد الأحزاب) وما يترتب عليها من حرية في المجالات الإعلامية والثقافية كافة على أسس عصرية، وصياغة دستور جديد للبلاد بما يتوافق مع الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية ونظامها السياسي·
وحددت المبادرة آلية تحقيق هذه الأهداف بعقد مؤتمر وطني يكون بمثابة جمعية تأسيسية وفق آلية تتفق عليها السلطة والمعارضة بكل أطيافها، وتكون مهمته إقرار أنجع السبل لانتقال سلمي إلى النظام الجديد، وتشكيل حكومة وحدة وطنية مؤقتة تجسد جميع أطياف النسيج الوطني برئاسة رئيس الجمهورية الحالي، على أن تحدد جدولاً زمنياً لإنجاز دستور جديد وقانون أحزاب وقانون انتخابات وذلك خلال فترة لا تزيد عن العام·
وورد في برنامج المبادرة ما أسمته (آليات خلق الثقة) حيث أكدت - مستندة على خطاب الرئيس الأسد في 02 حزيران- بأن الحل السياسي هو الخيار الأنجع لخروج البلاد من حالتها الراهنة واتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك·
ومن الآليات الأخرى، الإفراج عن المعتقلين السياسيين، واعتبار كل الذين قضوا شهداء للوطن، ورد المظالم، وإعادة الاعتبار لجميع الذين صرفوا من الخدمة وحرموا من الحقوق المدنية لأسباب سياسية وتسوية أوضاعهم وحقوقهم، ووقف التحريض الإعلامي أيا كان شكله، وفتح قنوات الاتصال لجميع أطياف المجتمع السوري السياسية للتعبير عن آرائها وأهدافها، ومنح جميع المواطنين السياسيين المقيمين في الخارج حق العودة إلى ارض الوطن·
وعليه·· فقد تابعت شخصياً اصداء هذه المبادرة الحصيفة وردود الافعال السريعة عليها في الصحف ووسائل الاعلام، وليس لدى الجهات المعنية في الحكم والمعارضة، وقد اثلج صدري هذا الترحيب بها والثناء عليها، سواء من لدن الرأي العام السوري او العربي، غير ان الامر لا يخلو - كالعادة - من بعض اصوات مرجفة في المعارضة تتهم اصحاب هذه المبادرة بالعمل لحساب الحكم وبتوجيه منه، وفي الحكم تتهم هؤلاء بالمزايدة وابراء الذمة واجتذاب الاضواء التي غابت عنهم منذ زمن بعيد·
لقد عرفت في الدكتور سلمان بعثياً مخلصاً، ووطنياً ملتزماً، وقومياً عريقاً، وعقلاً راجحاً، وصدراً واسعاً، وانساناً زاهداً في المناصب والمكاسب والمراتب، بعد ان نال منها الكثير على مدى عمره المديد باذن الله، ولعل رجلاً على مثل كل هذه المزايا والسجايا والمواصفات الحميدة، لن يكون الا صادقاً مع نفسه، واميناً على تاريخه، وحريصاً على وطنه وشعبه وحزبه وقيادته·· وليس خلاف ذلك قط·
ان اهم واغلى ما تحتاجه سوريا العزيزة وحزب البعث الحاكم هذا الاوان، هو الصوت العاقل، والموقف المتزن، والحوار الوطني الشامل، والانتقاد من موقع الانتماء، والرأي الحر والجريء الذي يضع الاصبع على الجرح·· ولعل كل هذه المواصفات والمتطلبات متوفرة في صلب مبادرة سلمان ورفاقه·
اما ابرز دلالات هذه المبادرة الجريئة، ومؤشرات طرحها العلني في مؤتمر صحفي بقلب دمشق، فهي البرهنة والاثبات على ان مسيرة الاصلاح السياسي والانفتاح الديموقراطي في سوريا قد بدأت فعلاً، وليس قولاً او وعداً، وان المعارضة من داخل حزب البعث وخارجه قد اصبحت حقيقة واقعية ملموسة وليست نظرية او مفترضة، وان التعددية في الطروحات السياسية والاجتهادات الفكرية والانشطة الحزبية والحركية قد شقت دروبها وفرضت وجودها حتى قبل تطبيق التشريعات الرسمية الجديدة الخاصة بها·