على مدى الشهور الثمانية الماضية ظل «انتظارنا» للاصلاح معلقا بانجاز التشريعات الناظمة للحياة السياسية وكنا نعتقد ان بمقدورنا ان نتحرك –ولو بشكل متواضع- باتجاه تهيئة التربة المناسبة لاستقبال هذا الغراس الاصلاحية، فلا شيء مثلا يمنع من مكافحة الفساد حتى في ظل «القوانين» الراهنة، ولا شيء يعيق التقدم الى الامام في الاصلاح القضاء والادارة والاقتصاد، فهذه الحقول وغيرها لا تحتاج الى «تعديلات دستورية» لكي نبدأ باصلاحها لكننا –للاسف- لم نفعل ذلك مما اعطى انطباعا لدى الناس بأن عملية الاصلاح تخضع لاعتبارات غير مفهومة وان بعض القائمن عليها يمارسون خيار «النفس الطويل» او شراء الوقت او «التعطيل والتأجيل» على امل ان يفوت قطار الاصلاح وتنقشع غيومه بأقل الخسائر.
هذا السيناريو المتخيل اصبح وراء ظهورنا الآن، واتضح مما يجري في الداخل وعلى التخوم بان «خيار» الاصلاح لا يمكن الرجعة عنه او التحايل عليه او الهروب منه وبالتالي فان «استحقاقاته» يفترض ان تدفع بالجملة لا بالتقسيط، وبمنطق الصدمة والاختراق وهذه الاستحقاقات لا تتعلق فقط بالتشريعات وما يجري على هامشها من تحديثات او تعديلات سواء اختلفنا عليها او اتفقنا وانما تتعلق «بالممارسات» ويكفي ان نعرف بان المشكلة التي عانينا منها في السنوات الماضية ليست مشكلة «دستورية» وانما مشكلة تجاوزات مارسها البعض على الدستور كما ان المشكلة ليست في قانون انتخاب مجزوء او وهمي وانما في ممارسات انتهكت حق الناس في الاختيار وجرحت نزاهة الانتخابات وافقدتها شرعية التمثيل وعدالة التوزيع ايضا.
في الايام القادمة سنسمع كلاما طويلا حول «التعديلات» الدستورية وسنختلف حول «مضامينها» وآلية تمريرها وضمانات اقرارها ومع اننا ندرك بحكم تجربتنا ان «المركب» سيمر كما خطط له وان السيناريوهات اصبحت جاهزة لاحداث ما يلزم من تغييرات لتطبيق «وصفة» الاصلاح الا ان ما يفترض ان ننتبه اليه ونركز عليه هو وجود ضمانات حقيقية لسلامة الممارسات والاجراءات فهذه هي «الامتحان» لنجاح او فشل «الاصلاح»، اما كيف يمكن ترسيخها والاطمنان اليها؟ فهذا يعتمد على مسألتين: اولاهما: اصلاح قواعد اللعبة السياسية وثانيهما اختيار الاشخاص القادرين على حمل هذه التشريعات وتطبيقها بلا خوف او تردد وقد يطول شرح ذلك.
باختصار، نريد تعديلات جوهرية في ميدان التشريعات فهذه ضرورة «مرجعية» تطمئننا على امكانية الدخول في مرحلة تحول ديمقراطي حقيقي ومأمون ونريد –في موازاة ذلك- ضمانات تضبط «ممارساتنا» وتنظم حركتنا السياسية والاجتماعية وترسخ ما افقتدناه من قيم العدالة والنظافة والمحاسبة وهذه الممارسات هي «البرهان» على صدق النوايا وسلامة الافعال وهي –ايضا- المختبر الذي يحكم على صحة معادلاتنا السياسية ويفحص قدرتها على التفاعل ويقيس نتائجها ايضا.
التشريعات مهما كانت عصرية ومتقدمة ستظل حبرا على ورق ما لم تنزل الى الارض وتمشي على قدمين كما ان الاصلاح سيبقى عنوانا جاذبا ومطلوبا ما لم يجد «اصلاحيين» يؤمنون به ويترجمونه الى افعال وممارسات.. واذا كان لدينا مشكلة مع التشريعات فان مشكلتنا الاكبر مع الممارسات ومن يتولاها .
ولذا اقتضى التنبيه والتذكير ايضا.
بعد تعديل التشريعات .. كيف نضمن سلامة الممارسات؟!
أخبار البلد -
من المتوقع ان نستغرق زمنا طويلا في الجدل حول التعديلات الدستورية وان ننشغل –ايضا- ونتساءل حول التعديلات التي اقترحتها لجنة الحوار على قانون الانتخابات وفي خضم الاخذ والرد سنفاجأ بأننا ندور في ذات الحلقة وبأن حديثنا عن «الاصلاح» المطلوب سيستغرق جهودنا ومحاولاتنا وقد ينتهي بنا الى النقطة التي بدأنا منها وكأننا «لا رحنا ولا جينا».